بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
الشمعدان بقلم الكاتب الروسي الكبير تشيكوف
صفحة 1 من اصل 1
الشمعدان بقلم الكاتب الروسي الكبير تشيكوف
الشمعدان
بقلم الكاتب الروسي الكبير
تشيكوف
ترجمها من الفرنسية: أ. د. حامد طاهر
وضع الشاب ساشا سيمرنوف ، الابن الوحيد لأمه ، تحت إبطه شيئًا ملفوفًا في العدد 23 من جريدة أخبار البورصة ، ثم مد رقبته ، ودخل إلى عيادة الدكتور كونشيلكوف ، الذي صاح عندما رآه:
- حسنًا يا صغيري . . بم تشعر الآن ؟ أية أخبار طيبة تحملها ؟
أغمض ساشا عينيه ، ووضع يده على صدره ، وقال بصوت خفيض:
- أمي تبعث إليك بتحياتها . وقد كلفتني أن أشكرك - أنا الابن الوحيد لها - لقد أنقذت حياتي يا دكتور . . شفيتني من مرض خطير . ونحن الاثنان لا نعرف كيف نعبر لك عن امتناننا ؟!
قاطعه الطبيب:
- لا تتحدث عن هذا يا صغيري . .
استمر ساشا :
ــ إنني الابن الوحيد لأمي . ونحن فقراء . وبالتأكيد ، في حالة لا تسمح لنا بأن ندفع ثمن العلاج . وهذا يمزقنا يا دكتور . . ومع ذلك ، فإن أمي وأنا - الابن الوحيد لها - نتوسل إليك أن تقبل - كرمز لعرفاننا بالجميل - هذه الهدية القيمة ، من البرونز القديم . . هذا العمل الفني الرائع!
احتج الدكتور:
- إنك مخطئ تمامًا . . على أي شيء كل هذا ؟!
- كلا . . لو سمحت . . لا ترفض (وفتح ساشا اللفة) فإن رفضك يؤلمنا ، أمي وأنا . . فهذا شيء جميل من البرونز القديم . . لقد أحضره إلينا أبي منذ زمن ، ونحن نحتفظ به كذكرى عزيزة . كان أبي يشتري البرونز القديم ، ثم يبيعه للهواة . . والآن نحن نواصل هذه التجارة البسيطة: أمي وأنا . .
ثم رفع ساشا الهدية ووضعها على مكتب الطبيب . كانت عبارة عن شمعدان ، متوسط الحجم ، من البرونز القديم ، مصنوع بمهارة . ومن القاعدة ينهض تمثالان لامرأتين عاريتين تمامًا ، وفي وضع لايمكن وصفه . أما الوجهان ، فكانا يبتسمان في غنج واضح ، وعلى نحو يظهرأنهما غير قادرين على حمل الشمعدان ، وأنهما على وشك أن يقفزا من القاعدة لكي ينطلقا إلى الحجرة في رقصة عربيدة لا يمكن تخيلها !
وما كاد الدكتور يرى الهدية ، حتى حك أذنه من الخلف بهدوء ثم سعل ، ومخط بدون حماسة ، وغمغم قائلاً:
- أجل . . هذا في الواقع شيء جميل . لكن . . ماذا أقول . . إنه إباحي أكثر من اللازم . . إنه ليس عاريًا فقط . . بل أسوأ !!
- لأي سبب ؟
- الشيطان نفسه لا يمكن أن يتخيل ما هو أكثر شناعة من ذلك . . إن وضع مثل هذا الفحش فوق المكتب يدنس شقتي كلها !
قال ساشا مدافعًا:
- أي تصور غريب هذا الذي لديك عن الفن يا دكتور ! إنه قطعة فنية . تأمله جيدًا . هذا الجمال ، وتلك الأناقة تملأ النفس بالتقدير . إنه يأخذ اللب . . ونحن بتأملنا هذا الكمال الفني ، ننسى الأشياء الأرضية . . انظر أي حركة يصورها ، وأي تعبير دقيق يكشف عنه!
قاطعه الدكتور
- إنني أفهم كل هذا جيدًا يا صديقي . لكن لي أسرة . وأطفال يلهون هنا ، وتأتي لزيارتي سيدات محترمات . .
- بدون شك . إذا أخذنا وجهة نظر الرجل العادي ، فإن هذه التحفة الفنية ستظهر من زاوية أخرى تمامًا . . لكن يا دكتور ، ضع نفسك أعلى مستوى من الشخص العادي . ثم بالإضافة إلى ذلك ، فإن رفضك الهدية سوف يؤلمنا كثيرًا . أمي وأنا . . الابن الوحيد . لقد أنقذت حياتي ! ونحن نقدم إليك أغلى ما عندنا . وما يؤسفني أكثر إنما هو عدم وجود الشمعدان الآخر الذي يكون مع هذا الشمعدان: زوجًا رائعًا !
- شكرًا يا عزيزي . . إنني شاكر لك من أعماقي . تحياتي إلى والدتك . ومع ذلك أرجو أن تقدر بنفسك أن أطفالي يلعبون هنا . وتأتي لزيارتي سيدات محترمات . وأخيرًا . . فسوف أحتفظ به . من المستحيل أن أشرح لك السبب . . الأسباب التي . .
- لا شيء يستحق الشرح . ضع الشمعدان هنا , قريبًا من فازة الزهور. آه . . خسارة كبيرة ألا يكون هنا الشمعدان الآخر . كم أنا آسف لذلك ! إلى اللقاء يا دكتور . .
بعد رحيل ساشا , تأمل الدكتور الشمعدان طويلًا , وحك من جديد أذنه من الخلف , وفكر:
" من المؤكد أنه تحفة فنية رائعة . . لكن من المؤسف أن أقذف به . ومستحيل أن أحتفظ به لدي . آه . . إنها مشكلة . . لمن أقدمه ؟ "
وبعد أن فكر طويلًا , تذكر صديقه العزيز , المحامي (كريبونوف ) , الذي قدم له خدمات قانونية عديدة . وقرر الدكتور:
" هذا رائع . لأنه باعتباره صديقًا , سيكون من الإحراج أن يقبل مني نقودًا على أتعابه , وعندئذ يصبح من اللائق أن أقدم له هذه الهدية . سوف أحمل له تلك التحفة الشيطانية ، خاصة وأنه أعزب ومتحرر .. "
وبدون وعي , ارتدى الدكتور ملابسه , وأخذ الشمعدان , وذهب إلى كريبونوف . وعندما وجده صاح:
- مرحبًا يا صديقي الأثير . ها أنا ذا . . جئت أشكرك على خدماتك الجليلة لي . أنت لا تقبل النقود مني . حسنًا . . اقبل إذن هذه التحفة . هاك أيها العزيز . .
وما أن رأى المحامي الشمعدان , حتى صاح بحماسة:
- أوه . . إنه مشهور !
ثم استغرق في الضحك قائلًا:
- هذا ما يحول قديسًا إلى ملعون ! رائع ! بديع ! أين عثرت على تلك الجوهرة؟
ثم بعد أن عبر عن حماسته , ألقى المحامي نظرة خوف ناحية الباب ثم اقترب من الدكتور قائلًا:
- فقط يا رفيقي , أرجوك أن تحمل هديتك , فإنني لا أريدها .
وهنا صاح الدكتور:
- لماذا ؟
- لأنني أستقبل أمي هنا . وكذلك الزبائن . . ثم . . ثم إن هذا مزعج بسبب الخادمة .
- كلا . . كلا . . سوف يكون هذا العمل غير ودي تمامًا من جانبك . انه غنه تحفة . انظر هذه الحركة . . وهذا التعبير .
ــ كفانا جدالًا . . فإنك تهينني . . لو كان له فقط بعض الملابس . . أو حتى ورقة عنب تستره !
لكن الطبيب هز رأسه , وأسرع بالاختفاء من شقة كريبونوف، سعيدًا بأنه قد تخلص من هديته , وعاد إلى منزله .
لكن المحامي عندما خلا لنفسه , وراح يفحص الشمعدان , ويتحسسه من جميع النواحي , على غرار ما فعل الطبيب , وفكر مليًا:
" ماذا يفعل بتلك الهدية ؟ إنها في الواقع تحفة رائعة . ومن المؤسف التخلص منها . لكن الاحتفاظ بها مع ذلك غير لائق . الأفضل إذن أن أقدمها لأحد . الليلة أقدمها هدية إلى الممثل ( شايكن ) . فهو الشخص الذي يحب التحف التي من هذا النوع . وسوف يكون هذا عملًا في موضعه , حيث أنه سيقدم الليلة عرضًا مسرحيًا خاصًا به . ."
استقر المحامي على تلك الفكرة . ثم قام بتغليف الشمعدان بعناية , وقدمه إلى الممثل شايكن .وطوال السهرة , ازدحمت غرفة الممثل بالأصدقاء الذين راحوا يبدون إعجابهم بالهدية . ومن بين الزحام , سمعت تعليقات حادة , وضحكات مكتومة تشبه صهيل الخيل . .
وعندما اقتربت ممثلة من باب الغرفة , وسألت: هل يمكن الدخول ؟ اندفع صوت الممثل المبحوح :
- كلا . . كلا يا عزيزتي . . أنا غير مرتد ملا بسي .
وبعد العرض , هز الممثل كتفيه , وفرد ذراعيه , وقال:
- حسنًا ! اننى أستقبل فنانين . وليست هذه صورة فوتوغرافية حتى يمكن إخفاؤها في دولاب !
ونصحه عامل الماكياج قائلًا:
- إذن بعه يا سيدي . . هناك في القلعة امرأة عجوز تشتري البرونز القديم اذهب إلى هناك واسأل عن السيدة سيمرنوف . . الناس كلهم يعرفونها .
استمع الممثل إلى النصيحة .
وبعد يومين . . وبينما كان الدكتور كونشيلكوف يجلس واضعًا يده على جبهته. ومستغرقًا في التفكير حول حامض المرارة . . انفتح الباب فجأة , ودخل ساشا سيمرنوف .
كان يبتسم مزدهرًا . ووجهه كله يوحي بالسعادة . وفي يده , كان يحمل شيئًا ملفوفًا في ورقة جريدة . وبدأت أنفاسه تهدأ:
- دكتور . . تصور مدى فرحتي . . وأية سعادة بالنسبة لك . لقد نجحنا في الحصول على الشمعدان الآخر لشمعدانك ! إن أمي سعيدة للغاية وكذلك أنا - الابن الوحيد لها - لقد أنقذت حياتي . فخذ إذن يا دكتور , خذ . .
وبارتجاف من يعترف حقيقة بالجميل , وضع ساشا الشمعدان أمام الطبيب , الذي فتح فمه , وأراد أن يتكلم . .
لكنه لم يستطع أن يخرج صوتًا . كان قد فقد القدرة على النطق !
هبة الله فرغلي- عضو جديد
- عدد المساهمات : 63
تاريخ التسجيل : 28/06/2012
مواضيع مماثلة
» المكرر المتعب في حنين العصر للكاتبة ميساء البشيتي بقلم الكاتب الدكتور : حمام محمد زهير
» "كلمة شرف" من الأدب الروسي المترجم
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
» عاشق من فلسطين .. محمود درويش
» ما خطب الردى ؟ بقلم الشاعر : د . خليل مصطفى
» "كلمة شرف" من الأدب الروسي المترجم
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
» عاشق من فلسطين .. محمود درويش
» ما خطب الردى ؟ بقلم الشاعر : د . خليل مصطفى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال