هنا عصفورة الشجن .

وأنا بين الملل من الانتظار
والملل من البقاء
لا أدري إلى أي وطن أفرُّ
وكل الأوطان تئن تحت وطء الجراح
هنا .. عصفورة الشجن .

تعال إليَّ
اطلب الصفح والغفران
فأنا قاب قوسين أو أدنى من الصفح
قد أسامح وقد أبارك وقد أدعوك لقهوة الصباح
قد أغمض عيون القلب عن هفوة أتيتها ذات حين
فاليوم لاتتسع ثوانيه لمطاردة الهفوات
تعبت وليس إلا على كفيك أستريح
وبين أهدابك تغفو أحلامي بارتياح ..
هنا .. عصفورة الشجن .

لا تنسَ أننا دائماً على موعد ..
وأن الوقت .. كل الوقت لك ..
هنا .. عصفورة الانتظار ..
هنا .. عصفورة الشجن .

ونأيت بنفسي عن الهوى ..
سكنت داخل ضلوعك .. وأغلقت باب الهوى ..
قلت مهما يمرُّ عليَّ من الزمن
لن أكبر في قلب الحبيب .. ولن أخرج من بين أضلعه ..
إنها الحرب يا رفيق لا تبقي ولا تذر
وسأبقى بين أضلعك عصفت بيَّ الأنواء .. أم لم تعصف ..
فأنا أغلقت باب الهوى منذ سكنت منك الأضلع ..
هنا .. عصفورة الشجن .

لم أعد أرى قومي إلا في اقتتال ..
لم أعد أراهم إلا في خلاف ..
ولم يكن بينهما في يوم أي اختلاف !
كانوا لا يُسمع لهم صوت ..
ولا يخرج النفس من رئتيهم إلا بالإذن ..
كرة القدم كانت إحدى معابدهم ..
إليها جلُّ صلواتهم وكثير نجواهم
وإليها يرنو الأمل بالنصر والفوز والكسب ...
بالصمت كانوا يتحولقون ..
وتحت الهواء زرافات زرافات يمشون ..
ليس لهم ضجيج ..
ليس لهم خطابات واعتصامات ..
ومهما سمعوا ..
ببنت شفة لا ينبسون ..
كنت أراهم وأعجب ..
أصفهم بالجبناء ..
أصفهم  بالمتخاذلون ..
أنعتهم في صمتي وألعن صمتهم وهذا السكون ..
اليوم ..  قومي علا صوتهم ..
بل صوت رصاصهم   ..
أزيز أحاديثهم ونقاشهم ..
وأدركت اليوم أنهم للغة الأم  لا يفهمون ..
وأنهم لا يعرفون إلا الخلاف ..
ولا يجيدون إلا الإقتتال ..
وما صمتهم كان إلا
لأنهم على شيء لا يقدرون ..
وليتهم لم يقدروا ..
ليتهم ما استطاعوا ..
لأنهم خنقوا الهواء في صدروهم
حتى لا يتنفس منه الصغار ويكبرون ..
لم يعد لي قوم..
لم يعد  أقوام بعد الآن ..
بني عبس وذيبان أنا لم أعد أنتمي إليهم ..
أنا أنتمي إليك يا لغتي الأم ..
أنتمي إلى عروبتي المشنقوة بحبال الخلاف ..
أنا لم يعد لي قوم يا لغة ..
فهل تسعفينني بأشقاء ينطقون نفس الكلام ؟
لم يعد لي أقوام .. لم يعد لي قوم ولا أقوام ..
هنا عصفورة لم يعد لها قوم من الأقوام ..

تهرب مني .. كما تهرب اللحظات الجميلة !
وأنا أراك وأنــت تهرب ..
وأراك حين تعود متلصصاً من ثقب الباب ..
أو من خلف ستار النافذة ..
في الماضي كان يعجبني هذا الهروب ..
كنت أحب هروبك هذا لأنه دليل وجود ..
كنت أعلم أنك حاضر في أدق تفاصيل حياتي ..
وأنك تتابع يومي ساعة بساعة ..
بل تغافلني وتشرب الحياة من فنجاني ..
اليوم .. أما كبرنا على الهروب ..
أما أنا الأوان أن نجلس على حديث واحد دون أن تهرب أنت
أو عيناك
أو حديثك الآسر ..
كيف أحررك من هروبك ..
كيف أعود بك إلى ناصية الحديث
وأقدم لك فنجاني لتشرب منه
وأكتفي أن أشرب نهاري من عينيك ..
عد أيها الهارب إلى موانىء قلبي
لم تعد تفدك الشطآن ..
لم تعد تفدك المنافي ..
لم يعد يسد رمقك هذا الشتات ..
عد إلى معبدك في عينيِّ
وانس كل ما فات من الزمان ..
هنا .. عصفورة الشجن .

حتى لا ينتابك القلق .. أو يساورك الشك .. في أنني أفتعل غياباً بلا سبب .. فهذا ليس من شيم عصفورة الشجن .. أنا يا رفيق الوجع أغيب في عوالم غريبة .. أبحث فيها عن دواء لداء استشرى في القوم دونما السبب .. فوجدت أن التاريخ سطر ملاحم عدة مثل جلجامش .. الألياذة .. الأوديسة .. ووجدت أننا سبقنا التاريخ وسبقنا الأمم وسجلنا ملحمة الرصاص فكان ختامها الموت ..
هنا عصفورة بريئة لا تقصد الغياب ..
هنا عصفورة الشجن .

حين نعرف ماذا نريد نتقدم ..
حين نعرف ماذا نريد نحرك الخطوة نحو اليمين ..
نحو الشمال ..
إلى الأمام ..
وإلى الخلف إن قصدنا التراجع ..
حين لا نعرف ماذا نريد .. ببساطة شديدة سنغرق ..
ولن نجد من ينقذنا ..
هنا .. عصفورة الشجن .

أصدقاء الأمس أعداء اليوم !
حتى الصداقة لها تاريخ صلاحية تنتهي فيه وتفسد وتفسد كل ما حولها
ترفقوا بنا أيها الرفاق وارحموا هذا الزمان
هنا .. عصفورة الشجن .

وأنا معك يا رفيق أعتذر للشام التي لا تستحق كل هذا السواد الذي أُهدي إليها ..
كم قلنا عذرا يا فلسطين .. وألف معذرة منك .. كانت كبوة فارس  .. كانت غلطة شاطر .. كانت .. كانت .. ولم تكن إلا سوءات فينا ولم نكن ندري ..
نحن من ضيع فلسطين .. وضيع العراق .. وسيضيع الشام .. وما يليها ممن يفترض أنها كانت لنا أوطاناً ..
نحن نستحق الشقاء لأننا سعينا إليه .. وبأيادينا فؤوس الخراب ..
لا تعتذر يا رفيق فالشام لن تنتظر باقات الاعتذار ..
لا تعتذر يا رفيق  فكلنا الآن على حافة الوجع .