بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
حـوار مع الباحث الفلسطيني الـدكـتـور عـبد القـادر حسـين ياسين كتب بواسطة نبيل الحسيني
صفحة 1 من اصل 1
حـوار مع الباحث الفلسطيني الـدكـتـور عـبد القـادر حسـين ياسين كتب بواسطة نبيل الحسيني
حـوار مع الباحث الفلسطيني الـدكـتـور عـبد القـادر حسـين ياسين
كتب بواسطة نبيل الحسيني
وفي الجسم نفـس لا تـشيب بشيبه
ولو أن ما في الرأس منه خـضاب
يـُغـيـّر مني الدهـر ما شاء غـيرها
وأبلغ أقصى العـمـر وهي كـعـاب
أبو الطـيـِّب الـمـتـنـبـي
عاش في المنافي والأسفار المباغتة ؛ لذلك كان للزمن وللمكان في حياته وكتاباته معانٍ غير المعاني المألوفة. كتاباته مرآةٌ لشخصيته، ما توارَى منها وما ظَهَر. يتحدث بلغةٍ لا حذلقة فيها ولا تكلُّف. لا يحب الحديث عن ذاته؛ لكنَّ ذاتَه تحكي عنه، من حيث يدري ولا يدري، من خلال إبداعه الإنساني، النابع من فيضِ روحه التي وسعتْ الوطنَ والناسَ جميعًا.
في هذا الكتاب ، Utstøtt يروي الـدكـتـور عـبـد القـادر حسـين ياسين ذكرياته وانطباعاته في نسيج أدبي فريد، اقترنتْ فيه السيرةُ الذاتية للكاتب والباحث المغترب عن وطنه بسيرة الوطن المغتصَب. قال فيه الكاتب النرويجي لارش غوله : "الـمـنـبـوذ" Utstøtt أبلغ إفصاحٍ باللغة النرويجية عما يـعـنيه أن يكون المرءُ فـلسطينيًّا اليوم. [...] ليس هناك كتابٌ آخر يبيِّن بهذا الاقتدار خلفيةَ الأحداث الراهنة في فلسطين/إسرائيل."
عن تجربته في الحياة، عـن الزمان والمكان، كان لنا معه في بوروس هذا الحديث.
نبيل الحسيني
نبيل الحسيني : من هو عـبـد القـادر ياسين، أي أحلام كانت له وهو في مطلع شبابه؟
عـبد القـادر ياسين: توفي أبي وعمري 12 سنة وكانت صدمة مروعة . يعني ذلك أنني لم أصدق موته وهي حالة تقود عادة إلى الجنون. كيتيم مفجوع اندفعت أبحث عن أب بديل أتماهي معه. في الوقت ذاته تماهيت بعـمـيـد الأدب الـعـربي الدكـتـور طه حسين إلى درجة الذوبان فكنت أضع عصابة على عـيني كما لو كنت أعمي وأرتجل أمام زميل لي مقلداً طه حسين.
كان حلمي منذ أن قرأت "الأيام" أن أصبح نسخة من طه حسين وكنت أقرأ أيامه وأنا أكتب ذهنياً "أيامي" الخاصة، الحلم الأساسي إن لم يكن الوحيد الذي داعب خيالي في هذه السن هو أن أصبح كاتباً شهيراً ومستور الحال. ففقري المدقع أصابني منذ الطفولة بجروح نرجسية صاغت قناعاتي السياسية منذ الشباب وحتى الآن، فأنا اعتبر أن فقر أكثر من ثلثي الإنسانية شاهد إدانة على حضارة الإستهلاك: في دول الشمال يستهلك الفرد 90 كيلو لحم سنوياً وهو لا يحتاج إلا إلى 9 وفي دول الجنوب لا يأكل الفرد من اللحوم بما فيه الكفاية. طبعاً أعي الآن أفضل الأسباب الموضوعية لهذا الفقر الكوني: الانفجار السكاني. لكن ذلك لا يعفي أغنياء العالم دولاً وشركات وأفرادً من خطيئة عدم التفكير في نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني.
نبيل الحسيني : هل كان لطفولتك أثر في تكوينك الثقافي ؟
عـبد القـادر ياسين: الطفولة تشكل جزءاً أساسياً من هذا الماضي وتؤثر تأثيراً كبيراً في تكوين السمات الخاصة لكل كاتب ، فمن هذا الماضي الموغل في الذاكرة الواعية وغير الواعية تنهض عدة عناصر مهمة لتفرض حضورها الكيفي على عمل الكاتب بحيث تتجلى لديه على نحو أو آخر لا يمكن التنبؤ به قبلاً، وتظهر الطفولة أحياناً على شكل استرجاعات يمنح منها الكاتب شخصياته بوعي فني ليصوغها وفقاً لإدراكاته المستجدة موظفاً إياها لتخدم نظرته الحالية بما يتلاءم والنص الإبداعي الذي يصوغه.
نبيل الحسيني : احتلت مرحلة الطفولة مساحة كبيرة في سيرتك الذاتية... هل صحيح أن المذكرات التي لا تدين صاحبها لا يـُعـوَّل عـليها؟
عـبد القـادر ياسين: أنا لم أخطئ حتى أدعي بطولة زائفة ومن ثم أدين نفسي، كنت مستقيماً في تعاملي مع الآخـرين ، وكنت مخلصاً لأفكاري واتجاهاتي السياسية فلم أتراجع ولم أخضع.
نبيل الحسيني : لك مساهمات كثيرة في حقل الترجمة هل يؤثر ذلك في نصوصك بوصفه وعياً مكتسبا؟
عـبد القـادر ياسين: بالتأكيد علمتني الترجمة درساً كبيراً في عملية القراءة وأهمية الإصغاء الكلي للآخر حتى آخر كلمة وهذا درس إضافي في الاحترام، فالمطلوب فهم أسلوب الآخر كي يعبر عن هذا الرأي. إن الدخول في عملية الترجمة والانغماس الكامل في السطور بكلماتها المتضمنة لأكثر من بديل لها بالعربية، يحملك بوعي كبير جداً، فالتدقيق طويلا في كل فقرة تكتبها مطلوب، حتى تشكل من خلالها نصك الخاص.
نبيل الحسيني : هل تعتقد أننا في وضع يسمح بالحوار مع الآخر؟
عـبد القـادر ياسين: محاورة الآخر تعني الاعتراف به لأنه لا يوجد الآخر في مخيلة الذين يفرضون الوصاية على الآخرين والذي يضع الآخر في ذهنه يؤمن بالحوار الذي يفتح آفاقا واسعة للتطور وفرص التعامل بين البشر، والاعتراف بالآخر يعد ركنا جوهريا من أركان الديموقراطية وعدم الاعتراف بالآخر يخلق بيئة مواتية للإرهاب لأن فرض الرأي بالقوة على الآخر، يدمر المجتمعات والبشر.
نبيل الحسيني : ما سبب ندرة فن السيرة الذاتية في الأدب العربي؟
عـبد القـادر ياسين: أعـتـقـد أن السـبب في نـدرة فـن السـيرة الـذاتيـة في الأدب العربي يرجع لأنه سباحة ضد التيار، فالواقع العربي مليء بالمحاذير ، وهذا الفن يحتاج إلى نوع من الصدق مع النفس حتى نستطيع الكتابة عنها ، وهذا غير موجود في الثقافة العربية.
نبيل الحسيني : تم اعتقالك أكثر من مرة، ماذا تعلمت من تجربة السجن؟
عـبد القـادر ياسين: علمني السجن عدم الخوف والشجاعة في مواجهة الموت والأمل والثقة في المستقبل، وأمدتني تلك التجربة بالصلابة في مواجهة عقبات الحياة.
نبيل الحسيني :ما الذي يـعـنـيـه "المقدَّس" sacred؛ لـعـبـد القـادر؟
عـبـد القـادر ياسين : في العقلية البدائية كات التـغـييـرُ دائـمـاً مخيفاً. وكان المجهول دائمـا يثير الحذر. في الثقافات القديمة تتكرَّر المُسلَّمات؛ ولذلك فهي لا تؤدي إلى تقدُّم. أزعـم أن في الخـطـاب الرسمي العربي شيء من السلوك البدائي بالمعنى الفلسفي، حيث يُظَنُّ أن مجرد إجترار المُسلَّمات سيرٌ وتقدمٌ في التاريخ. كأن المستقبل هو الماضي! ثـمـة نوازع عميقة لدى البـعـض تريد منَّا أن نرسم المستقبل على أوراق الماضي. وهـنـاك مَن يظن أن إعادة إنتاج الماضي هو المستقبل ـ وهذه كارثة! مِن الناس مَن لا يرى من المستقبل إلا الأيـام الأولى من فترة الخلافة الإسلامية!
نبيل الحسيني :هل للدين مسؤوليةٌ في ذلك؟
عـبـد القـادر ياسين : بإمكان الـمـرء أن يـتـعـامـل مع الفكر اللاهوتي كلِّه بإعـتـبـاره سعيَ البـشـرية منذ وُجـدت لفهم مصيرها ووجودها وسُبُل تنظيم حياتها تنظيمًا يحقق العدالة والإخاء والمساواة وكلَّ القيم الجميلة والابتعاد عن القيم القبيحة. لكن ما نشاهده في هـذه الأيام أن هناك مَن يعتدي باسم الدين، ومَن يقـتـل أيضًا باسم الدين.
النموذج الآخر ، في رأيي الـمـتـواضع ، يتمثل في هستيريا التكفير ومنع الاجتهاد. يأتي مفكرٌ مُصلح ديني بأبحاث وبمقولات، وبأفكارٍ تجديدية، فترفُض المؤسَّسةُ الدينية مناقشتَها وتُسارِع إلى اتهامه بالكُفْرِ، فيقضي المسكينُ بقيةَ عمره دفاعًا عن ذاته المتهَمة بالكفر، متخلِّيا عن فكره. هكذا يحدث التـخـلـُّف، وهكذا نفتقد إلى التراكم الذي يؤسَّس بعضُه على بعضه الآخر. فنجد أن كلَّ مُصلح يبدأ من الصفر، ويخوض معركتَه وحيدًا. الدكـتـور نصر أبو زيد، مثلاً، خسر طلابه وجامعته لأن أحدهم إتـهـمـه بالـكـفـر...
نبيل الحسيني :أي مـكـان تـحـتـلـه الـمـرأة في حـيـاتك؟
عـبـد القـادر ياسين :المرأةُ ضرورةٌ لا تفارقني. لا أحكي عن المرأة بصفـتها موضوعًا. هناك امرأة جميلة، وامرأة غبية، وامرأة سمجة، إلخ. وضع المرأة على حِدة فيه شيء عنصري. صفات الكائن البشري، اختيار الرجال والنساء، له المعيار نفسه عندي. الموقف ليس من المرأة، ولكن من هذه المرأة بعينها. مجردُ وضع الناس على حِدة فيه إهانة.
نبيل الحسيني :لكن هناك أنوثةً طبيعيةً متميزةً...
عـبــد القـاادر ياسين :الأنوثة كذلك لا تعريفَ لها. أنا لا أصدِّق التعميمات! عندما يتحدث الرجل عن الأنوثة فهو يتحدث عن نفسه، عن رغباته من المرأة. لا توجد قائمة بأوصاف الأنوثة التي في المرأة؛ كما لا توجد قائمة بصفات الرجل. نحن نسبغ أوصافَنا نحنُ على التعريفات التي نضعها للأشياء أو للمخلوقات. تعريف البخيل للكرم غير تعريف الكريم للكرم. نزار قباني أسقط فقرَه الفكريَّ على امرأة عينية من الدانتيل والكريستال! أسوأ ما في التعريفات أن فيها تبسيطًا مُخِلاًّ، بينما الحياة مركَّبة، معقدة. هناك "أنوثات" بقدر ما هناك من تعريفات للأنوثة.
نحن في مجـتـمـعـات ذكوريـة تـتـمـيـَّز بالكَبْتٍ السياسيٍّ والديني، والجنسي أيضًا ـ وهذا واقعٌ على الرجل وعلى المرأة على حدٍّ سواء. هـذا الكبتُ المثـلـَّث يكبِّل الرجال والنساء في العالم العربي. المكبوت هو أول ضحايا الأعراف والتقاليد والقوانين المتخلفة التي تتحكم في حياتنا. ويجب أن لا
يغيب عن بالنا العنصرُ الاقتصادي في هـذه الـعـلاقـة، حيث الاحتكارات التجارية الكبرى التي تواصل، في دهاءٍ شديد، إفرازَ ممارساتٍ وقوانينَ تخدم الربح قبل أن تخدم الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، فتلحق الضررَ بالطرفين. وكم يتدخل الاقتصاد في توازنات زائفة بين الجماعات الإثنية والعرقية والجنسية داخل المجتمعات. قوانين المعاشات والبطالة والرواتب والإجازات تحدِّد مدى الاضطراب في علاقة الرجل والمرأة في العالم كلِّه. أنا مع حقوق الأفراد، وليس مع "حقوق الإنسان"! لا شيء أسوأ من تبسيط الأمور الذي يقتل كلَّ شيء.
نبيل الحسيني : و"التبسيط" لا يعني البساطة بالتأكيد...
عـبـد القـادر ياسين :لا شيء أسوأ من تبسيط الأمور الذي يقتل كلَّ شيء! البساطة شيء عظيم جدًّا؛ ولا يصلها إلا كلُّ جهد عظيم. بينما التبسيط المُخِلُّ، وتسطيح المعايير والقيم والأفكار والحقائق، هو محرقةُ كلِّ كتابة إبداعية، ومحرقة كلِّ نقد.
وأعتقد أنَّ انفصال الجسد عن الكون هو من أسباب البلاء الشرقي الذي نعيشه، حيث اجتمعتْ العاداتُ والأعراف والقوانين على استثناء الجسد من أية عناية، وكأن الجسد يشكِّل عند الإنسان العربي مشكلة! من مظاهر الأمراض الثقافية عندنا أننا نتعامل مع جسد المرأة كمشكلة، ومع جسد المراهق كمشكلة، ونتعامل مع ما يلمُّ بهذا الجسد من رغبات ومخاوف وأشواق وشهوات بصفته مشكلةً أيضًا.
والمفارقة العجيبة أن بعض الأنظمة العربية القمعية لا تجد بابًا لإهانة وإذلال شعوبها إلا باب الجسد. خذْ التعـذيب في السجون: إنه يقع على الجسد أولاً. حتى التعذيب النفسي، الذي يقال إنه أقسى أنواع التعذيب، يقع أوَّلاً على الجسد: فأنت تسمع بأذنيك الإهانة، وترى هذه الإهانة بعينيك... الحواس الخمس في جسدك هي التي تتلقَّى الإهانة والعذاب النفسي. البوابة هي الجسد. إن كل ما يُنْصِفُ الجسدَ مُغيَّب وممنوع؛ وكلُّ ما يعذِّب الجسدَ متوفر ـ ولله الحمد!
نبيل الحسيني : أعـرف أنك تـقضي السـاعـات الـطوال في الـقـراءة. ما الي يـٌشـغـلـك وأنت في هـذه الصـومـعـة؟
عـبـد القـادر ياسين : ما يـُشـغـلـني في هذه الحياة هـوالبحث عن مفهوم الحياة، وتأمل معنى الحياة. الحياة، في نظر أيِّ إنسـان، هي حياته؛ ومكان حياته هو جسده. ليس من قبيل الإنشاء أو التفلسف أن أقول إن الجسد الإنساني هو كونٌ تام!
نبيل الحسيني : أي مفكر ترك أثراً عميقاً على مسيرتك الفكرية؟
عـبد القـادر ياسين: بما أن النصّ هو في الواقع تناصّ أي ملتقى لعدة نصوص تلاقحت على مرّ العصور، كذلك الفكر الذي يحمله مثقف هو ملتقي تيارات فكرية عديدة تبدو أحياناً في الظاهر متناقضة. في مطلع الشباب تأثرت بطه حسين وشبلي شميل ولطفي السيد وسلامه موسي وأحمد أمين وعباس محمود العقاد وبرموز الإسلام المستنير مثل قاسم أمين والطاهر الحداد والفاضل بن عاشور وعلال الفاسي وأيضاً بـماركوس أوريليوس وبالقديس أوغستين.. إلخ، كما تأثرت بالتيار الوجودي خاصة جان بول سارتر ثم تأثرت بالتيار الماركسي وخاصة كارل ماركس وروزا لوكسمبورغ ، ثم بالتيار التحليل النفسي وخاصة سـيـغـمـونـد فرويد وفـلـهـلـم رايش. هذه التيارات جميعاً أثرت فيّ بنسب من الصعب تحديدها إلا إذا لجأت إلى التبسيط السائد في الثقافة العربية. لهذا السبب أفضل عدم ارتكاب هذه الخطيئة الفكرية المميتة.
نبيل الحسيني : لك إطلاع غزير على التراث العربي، ولغتك السياسية فيها شيء من سحر البيان، هل فكرت يوماً أن تكتب شعراً، أن تصير شاعراً ؟
عـبد القـادر ياسين: قلت قبل قليل أن النصّ تناصّ .. ونصي يلتقي فيه النقدي بالشعري، والعقلاني بالوجداني، والذاتي بالموضوعي ... حفظت منذ كان سني 18 عاماً ديوان أبي الطـيـِّب المتنبي و"لزوم ما لا يلزم" لأبي الـعـلاء المعري ، وقصائد عديدة لكثير من الشعراء قدماء ومحدثين ... أعـتـقـد أن الشعر والفكر النقدي يتكاملان ولا يتناقضان. فـالشـاعر الألمـاني يوهانس ولفـغـانغ غـوته شاعر ومفكر في آن وهو القائل:" ما من شاعر كبير إلا وهو فيلسوف كبير" وأفلاطون ، رغم كراهيته للشعراء، هو في الواقع شاعر في محاوراته حيث يلتقي قارئه بالشعر والعقلانية معاً .. والأمثلة لا تكاد تحصى.
نبيل الحسيني : هل على الكاتب أو المفكر أن يراجع أفكاره أم يتراجع عنها؟ وهل هناك فرق بين التراجع والمراجعة؟
عـبد القـادر ياسين: في نظري ، إحدى أكبر نواقص العديد من المثقفين في العالم العربي هي أنهم لا يقولون لقارئهم إلا ما ينتظره قارئهم منهم.... نعم أغير أفكاري بمجرد أن أكتشف أن الواقع تجاوزها أو لم تكن متكيفة معه. ولا أضـيـف جديدا إذا قـلـت أن "كل شيء يتغير إلا قانون التغير"، وأزعـم أن من يكابر أمام الوقائع والواقع لا يمكن أن يكون مثقفاً حقاً... ذكـَّرتني بالمرحـوم الشيخ مـحـمـد شـعراوي الذي إتـهـمني بالكفر وقـال فيَّ ما لم يـقـلـه مالك في الخمـر ... لا بأس، فأنا ثوري ورجعي، متدين وملحد، مادي وروحي، ، فأنا كتلة متفجرة من المتناقضات المتعايشة سلمياً .. أنا متدين بكل دين يكون ملاذاً روحياً للغلابى والحزانى والمتألمين، ديناً يكون زفرة الإنسان المكبل بالأغلال وقلباً في عالم لا قلب له ، وروحاً لحقبة لا روح فيها...
فأنا على دين ابن عربي.وأنا ملحد بكل دين يكون دين دولة، يكون دين تعصب، وبكل دين يضطهد الفرد والمرأة وغير المسلم بغرائزه البدائية وعقوباته البدنية. وأنا مادي بالمعني الفيزيائي للمادة القائل بأن "المادة هي الطاقة التي تأخذ شكلاً"، وأنا روحي بمعني أن الروح هو الطاقة التي تسري في العالم،على الكاتب أن يعيد التفكير في أفكاره دون توقف أي أن يراجع أفكاره دائماً ليمتحنها على ضوء حركة الواقع وأن يتراجع عنها كلما اكتشف أنها لم تعد أو لم تكن أصلاً متكيفة مع الواقع. إذاً لا وجود لفارق جوهري بين المراجعة والتراجع فالهدف هو دائماً واحد: البحث عن الحقيقة التي هي دائماً تاريخية، أي نسبية. لماذا؟ لأن معرفتنا بالواقع نسبية وقدرة عقولنا على الإحاطة به والأدوات التي تستخدمها لإدراكه بها نسبية هي الأخرى، فلا يمكننا إدعاء امتلاك الحقيقة التي لا تحول ولا تزول إلا إذا سقطنا في مهاوي التعصب والعياذ بالله
نبيل الحسيني : ماذا تبقى اليوم من ماركسيتك التي اعتنقتها ودافعت عنها طوال السبعينات .. وأي دور لها على منهجك النقدي اليوم؟
عـبد القـادر ياسين: فقري الذي مازال رفيق حياتي كان وربما مازال وراء قناعاتي الماركسية التي وصلت إليها . لم أكن مدفوعاً بقناعات نظرية عميقة بل بغريزة طبقية فقط. ضغينتي على الأغنياء الذين أذلوني في طفولتي ومراهقتي أسقطها على أغنياء العالم الذين وجدت أخيراً لهم اسماً شبه سحري: البرجوازية . مثلما أن الشهية تأتي خلال الأكل كما يقول المثل الفرنسي، فقد بلورت قناعاتي النظرية بعدما آمنت سلفاً بالماركسية. ولكن قد أظلم نفسي إذا قلت إن قناعاتي كانت محض فعل إيمان أي خالية من كل روح نقدي. بدأت أتساءل عن مدى اشتراكية المعسكر الاشتراكي. في ألمانيا الشرقية وقد كنت يومياً أستمع إلى نكات العمال على حساب "جنة الاشتراكية الألمانية". في برلين الغربية كنت في مـقـهى فسألت مجموعة من العمال الشباب عن رأيهم في الماركسية فإقتادني أحدهم إلى خارج المقهى وأشار بسبابته إلى جدار برلين الشهير قائلاً:"هذه هي الماركسية..."
في الحقيقة كانت أوهامي عن الماركسية اللينينية في الاتحاد السوفيتي والأحزاب الشيوعية في العالم العربي قد تلاشت قبل ذلك. دخلت مع الأحزاب الشيوعية العربية في سجال عنيف. وردّوا إليّ الصاع صاعين ً. باختصار حاربتني الأحزاب الشيوعية بالشائعات . كانت مشاعري إزاء ذلك مزيجاً من الشعور بالاضطهاد والعزلة والاعتزاز .. كان اليسار يري فيّ يمينياً واليمين يري فيّ يسارياً متطرفاً.
أعـتـقـد أن ما هو إيجابي في كارل ماركس هو نفحة الفكر النقدي في كتاباته .عندما قرأت "رأس المال":" قلت لبـعـض الرفاق الفلسـطينيين أن هذا الكتاب للذين يفكرون بأنفسهم، أحسست، أنا الآت من ثقافة عربية إسلامية لا يكاد يفكر فيها مفكروها فضلاً عن عامتها إلا بأسلافهم، بأنني انتقلت الى قارة ذهنية أخرى. وبالمثل فـإن نقده لاستخدام الطبقات المالكة للدين كـ"مخدر" لاقي هوى في نفسي، أنا الذي كنت أعي أن إسلام القرون الوسطى يشكل عائقاً دينياً هائلاً يعـتـقـل عـقـول المسلمين ؛ فلا تعود قادرة على التفكير الواقعي فضلاً عن العقلاني في أمور دينها ودنياها. فكرة أخرى عند ماركس أعجبتني ولا تزال تقول بأن وعي قوانين المجتمع - وهي ليست قوانين صارمة بل قوانين ميلية أي قابلة للتعديل ـ تسمح بتدخل بشري ما في مسارات التاريخ الموضوعية أي المستقلة عن وعي البشر... وهكذا فالإنسان لا يعود لعبة الأقدار كما يعتقد المتدينون ولا لعبة البنى الاجتماعية الموضوعية كما يري البنيويون بل يغدو إلى حد ما صانعاً لمصيره.
طبعاً كان كارل ماركس حالماً وانا أيضاً. لا ننسى تأثير طوباوية الكتاب المقدس على ماركس فالمهدي المنتظر أو عودة المسيح حاضر كقماشة الخلفية وراء رؤياه الاشتراكية، لكنه اسقط عودة المسيح، الذي أضفي على أحلامه مسحة إنسانية وأخلاقية، على البلوريتاريا التي بات عليها أن تحقق مهام المهدي المنتظر. نقده لرأس المال هو نقد اقتصادي نصفاً وأخلاقي نصفاً. الحركات الاشتراكية في القرن التاسع عشر ومنها الماركسية كانت أساساً احتجاجاً أخلاقياً على الرأسمالية المتوحشة التي كانت تشغل العمال دون أدني ضمانات 14 ساعة متواصلة بمن فيهم الأطفال الذين كانوا أحياناً يموتون خلال الشغل.
الرأسمالية المعاصرة هي أيضاً، في رأيي المـتـواضع ، غير قابلة للحياة، إذا لم تدخل عليها الإنسانية المفكرة تعديلات جوهرية سواء في نمط إنتاجها أو في نمط استهلاكها . إن موارد الكرة الأرضية محدودة ومهددة بالنفاذ، بعضها مـهـدد بالنفاذ الوشيك مثل الماء والأكسجين، وإذا أرادت البشرية أن تصل يوماً ما إلى مستوي استهلاك مماثل لاستهلاك الولايات المتحدة الحالي فـ "يلزمها لتحقيق هذا الهدف ثلاث كرات أرضية" كما يقول الدكـتـور جيروم باندي مدير مكتب التحليل والتوقع في منظمة "اليونسكو".
الخلاصة أن الرأسمالية تحتاج إلى إصلاحات ثورية سلمية متواصلة تؤدي في النهاية إلى تغيير طبيعتها الإنتاجية والاستهلاكية والتنافسية. التنمية المستدامة التي اقترحتها الأمم المتحدة خطوة أولي في مسيرة الألف ميل إلى هذا الهدف. معني ذلك أن تبدأ الأجيال الحالية في التفكير جدياً في مصير الأجيال التي لم تولد بعد وهذا يتطلب إعادة النظر في الأنانية المرضية المتأصلة في النفسيات اليوم.
ما بقي لي من أحلام الشباب هو الحلم بعالم أفضل، حيث حروب أقل وعنف أقل واضطهاد أقل وفقر أقل وجهل أقل وجروح نرجسية أقل وعقلانية أكثر.
كتب بواسطة نبيل الحسيني
وفي الجسم نفـس لا تـشيب بشيبه
ولو أن ما في الرأس منه خـضاب
يـُغـيـّر مني الدهـر ما شاء غـيرها
وأبلغ أقصى العـمـر وهي كـعـاب
أبو الطـيـِّب الـمـتـنـبـي
عاش في المنافي والأسفار المباغتة ؛ لذلك كان للزمن وللمكان في حياته وكتاباته معانٍ غير المعاني المألوفة. كتاباته مرآةٌ لشخصيته، ما توارَى منها وما ظَهَر. يتحدث بلغةٍ لا حذلقة فيها ولا تكلُّف. لا يحب الحديث عن ذاته؛ لكنَّ ذاتَه تحكي عنه، من حيث يدري ولا يدري، من خلال إبداعه الإنساني، النابع من فيضِ روحه التي وسعتْ الوطنَ والناسَ جميعًا.
في هذا الكتاب ، Utstøtt يروي الـدكـتـور عـبـد القـادر حسـين ياسين ذكرياته وانطباعاته في نسيج أدبي فريد، اقترنتْ فيه السيرةُ الذاتية للكاتب والباحث المغترب عن وطنه بسيرة الوطن المغتصَب. قال فيه الكاتب النرويجي لارش غوله : "الـمـنـبـوذ" Utstøtt أبلغ إفصاحٍ باللغة النرويجية عما يـعـنيه أن يكون المرءُ فـلسطينيًّا اليوم. [...] ليس هناك كتابٌ آخر يبيِّن بهذا الاقتدار خلفيةَ الأحداث الراهنة في فلسطين/إسرائيل."
عن تجربته في الحياة، عـن الزمان والمكان، كان لنا معه في بوروس هذا الحديث.
نبيل الحسيني
نبيل الحسيني : من هو عـبـد القـادر ياسين، أي أحلام كانت له وهو في مطلع شبابه؟
عـبد القـادر ياسين: توفي أبي وعمري 12 سنة وكانت صدمة مروعة . يعني ذلك أنني لم أصدق موته وهي حالة تقود عادة إلى الجنون. كيتيم مفجوع اندفعت أبحث عن أب بديل أتماهي معه. في الوقت ذاته تماهيت بعـمـيـد الأدب الـعـربي الدكـتـور طه حسين إلى درجة الذوبان فكنت أضع عصابة على عـيني كما لو كنت أعمي وأرتجل أمام زميل لي مقلداً طه حسين.
كان حلمي منذ أن قرأت "الأيام" أن أصبح نسخة من طه حسين وكنت أقرأ أيامه وأنا أكتب ذهنياً "أيامي" الخاصة، الحلم الأساسي إن لم يكن الوحيد الذي داعب خيالي في هذه السن هو أن أصبح كاتباً شهيراً ومستور الحال. ففقري المدقع أصابني منذ الطفولة بجروح نرجسية صاغت قناعاتي السياسية منذ الشباب وحتى الآن، فأنا اعتبر أن فقر أكثر من ثلثي الإنسانية شاهد إدانة على حضارة الإستهلاك: في دول الشمال يستهلك الفرد 90 كيلو لحم سنوياً وهو لا يحتاج إلا إلى 9 وفي دول الجنوب لا يأكل الفرد من اللحوم بما فيه الكفاية. طبعاً أعي الآن أفضل الأسباب الموضوعية لهذا الفقر الكوني: الانفجار السكاني. لكن ذلك لا يعفي أغنياء العالم دولاً وشركات وأفرادً من خطيئة عدم التفكير في نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني.
نبيل الحسيني : هل كان لطفولتك أثر في تكوينك الثقافي ؟
عـبد القـادر ياسين: الطفولة تشكل جزءاً أساسياً من هذا الماضي وتؤثر تأثيراً كبيراً في تكوين السمات الخاصة لكل كاتب ، فمن هذا الماضي الموغل في الذاكرة الواعية وغير الواعية تنهض عدة عناصر مهمة لتفرض حضورها الكيفي على عمل الكاتب بحيث تتجلى لديه على نحو أو آخر لا يمكن التنبؤ به قبلاً، وتظهر الطفولة أحياناً على شكل استرجاعات يمنح منها الكاتب شخصياته بوعي فني ليصوغها وفقاً لإدراكاته المستجدة موظفاً إياها لتخدم نظرته الحالية بما يتلاءم والنص الإبداعي الذي يصوغه.
نبيل الحسيني : احتلت مرحلة الطفولة مساحة كبيرة في سيرتك الذاتية... هل صحيح أن المذكرات التي لا تدين صاحبها لا يـُعـوَّل عـليها؟
عـبد القـادر ياسين: أنا لم أخطئ حتى أدعي بطولة زائفة ومن ثم أدين نفسي، كنت مستقيماً في تعاملي مع الآخـرين ، وكنت مخلصاً لأفكاري واتجاهاتي السياسية فلم أتراجع ولم أخضع.
نبيل الحسيني : لك مساهمات كثيرة في حقل الترجمة هل يؤثر ذلك في نصوصك بوصفه وعياً مكتسبا؟
عـبد القـادر ياسين: بالتأكيد علمتني الترجمة درساً كبيراً في عملية القراءة وأهمية الإصغاء الكلي للآخر حتى آخر كلمة وهذا درس إضافي في الاحترام، فالمطلوب فهم أسلوب الآخر كي يعبر عن هذا الرأي. إن الدخول في عملية الترجمة والانغماس الكامل في السطور بكلماتها المتضمنة لأكثر من بديل لها بالعربية، يحملك بوعي كبير جداً، فالتدقيق طويلا في كل فقرة تكتبها مطلوب، حتى تشكل من خلالها نصك الخاص.
نبيل الحسيني : هل تعتقد أننا في وضع يسمح بالحوار مع الآخر؟
عـبد القـادر ياسين: محاورة الآخر تعني الاعتراف به لأنه لا يوجد الآخر في مخيلة الذين يفرضون الوصاية على الآخرين والذي يضع الآخر في ذهنه يؤمن بالحوار الذي يفتح آفاقا واسعة للتطور وفرص التعامل بين البشر، والاعتراف بالآخر يعد ركنا جوهريا من أركان الديموقراطية وعدم الاعتراف بالآخر يخلق بيئة مواتية للإرهاب لأن فرض الرأي بالقوة على الآخر، يدمر المجتمعات والبشر.
نبيل الحسيني : ما سبب ندرة فن السيرة الذاتية في الأدب العربي؟
عـبد القـادر ياسين: أعـتـقـد أن السـبب في نـدرة فـن السـيرة الـذاتيـة في الأدب العربي يرجع لأنه سباحة ضد التيار، فالواقع العربي مليء بالمحاذير ، وهذا الفن يحتاج إلى نوع من الصدق مع النفس حتى نستطيع الكتابة عنها ، وهذا غير موجود في الثقافة العربية.
نبيل الحسيني : تم اعتقالك أكثر من مرة، ماذا تعلمت من تجربة السجن؟
عـبد القـادر ياسين: علمني السجن عدم الخوف والشجاعة في مواجهة الموت والأمل والثقة في المستقبل، وأمدتني تلك التجربة بالصلابة في مواجهة عقبات الحياة.
نبيل الحسيني :ما الذي يـعـنـيـه "المقدَّس" sacred؛ لـعـبـد القـادر؟
عـبـد القـادر ياسين : في العقلية البدائية كات التـغـييـرُ دائـمـاً مخيفاً. وكان المجهول دائمـا يثير الحذر. في الثقافات القديمة تتكرَّر المُسلَّمات؛ ولذلك فهي لا تؤدي إلى تقدُّم. أزعـم أن في الخـطـاب الرسمي العربي شيء من السلوك البدائي بالمعنى الفلسفي، حيث يُظَنُّ أن مجرد إجترار المُسلَّمات سيرٌ وتقدمٌ في التاريخ. كأن المستقبل هو الماضي! ثـمـة نوازع عميقة لدى البـعـض تريد منَّا أن نرسم المستقبل على أوراق الماضي. وهـنـاك مَن يظن أن إعادة إنتاج الماضي هو المستقبل ـ وهذه كارثة! مِن الناس مَن لا يرى من المستقبل إلا الأيـام الأولى من فترة الخلافة الإسلامية!
نبيل الحسيني :هل للدين مسؤوليةٌ في ذلك؟
عـبـد القـادر ياسين : بإمكان الـمـرء أن يـتـعـامـل مع الفكر اللاهوتي كلِّه بإعـتـبـاره سعيَ البـشـرية منذ وُجـدت لفهم مصيرها ووجودها وسُبُل تنظيم حياتها تنظيمًا يحقق العدالة والإخاء والمساواة وكلَّ القيم الجميلة والابتعاد عن القيم القبيحة. لكن ما نشاهده في هـذه الأيام أن هناك مَن يعتدي باسم الدين، ومَن يقـتـل أيضًا باسم الدين.
النموذج الآخر ، في رأيي الـمـتـواضع ، يتمثل في هستيريا التكفير ومنع الاجتهاد. يأتي مفكرٌ مُصلح ديني بأبحاث وبمقولات، وبأفكارٍ تجديدية، فترفُض المؤسَّسةُ الدينية مناقشتَها وتُسارِع إلى اتهامه بالكُفْرِ، فيقضي المسكينُ بقيةَ عمره دفاعًا عن ذاته المتهَمة بالكفر، متخلِّيا عن فكره. هكذا يحدث التـخـلـُّف، وهكذا نفتقد إلى التراكم الذي يؤسَّس بعضُه على بعضه الآخر. فنجد أن كلَّ مُصلح يبدأ من الصفر، ويخوض معركتَه وحيدًا. الدكـتـور نصر أبو زيد، مثلاً، خسر طلابه وجامعته لأن أحدهم إتـهـمـه بالـكـفـر...
نبيل الحسيني :أي مـكـان تـحـتـلـه الـمـرأة في حـيـاتك؟
عـبـد القـادر ياسين :المرأةُ ضرورةٌ لا تفارقني. لا أحكي عن المرأة بصفـتها موضوعًا. هناك امرأة جميلة، وامرأة غبية، وامرأة سمجة، إلخ. وضع المرأة على حِدة فيه شيء عنصري. صفات الكائن البشري، اختيار الرجال والنساء، له المعيار نفسه عندي. الموقف ليس من المرأة، ولكن من هذه المرأة بعينها. مجردُ وضع الناس على حِدة فيه إهانة.
نبيل الحسيني :لكن هناك أنوثةً طبيعيةً متميزةً...
عـبــد القـاادر ياسين :الأنوثة كذلك لا تعريفَ لها. أنا لا أصدِّق التعميمات! عندما يتحدث الرجل عن الأنوثة فهو يتحدث عن نفسه، عن رغباته من المرأة. لا توجد قائمة بأوصاف الأنوثة التي في المرأة؛ كما لا توجد قائمة بصفات الرجل. نحن نسبغ أوصافَنا نحنُ على التعريفات التي نضعها للأشياء أو للمخلوقات. تعريف البخيل للكرم غير تعريف الكريم للكرم. نزار قباني أسقط فقرَه الفكريَّ على امرأة عينية من الدانتيل والكريستال! أسوأ ما في التعريفات أن فيها تبسيطًا مُخِلاًّ، بينما الحياة مركَّبة، معقدة. هناك "أنوثات" بقدر ما هناك من تعريفات للأنوثة.
نحن في مجـتـمـعـات ذكوريـة تـتـمـيـَّز بالكَبْتٍ السياسيٍّ والديني، والجنسي أيضًا ـ وهذا واقعٌ على الرجل وعلى المرأة على حدٍّ سواء. هـذا الكبتُ المثـلـَّث يكبِّل الرجال والنساء في العالم العربي. المكبوت هو أول ضحايا الأعراف والتقاليد والقوانين المتخلفة التي تتحكم في حياتنا. ويجب أن لا
يغيب عن بالنا العنصرُ الاقتصادي في هـذه الـعـلاقـة، حيث الاحتكارات التجارية الكبرى التي تواصل، في دهاءٍ شديد، إفرازَ ممارساتٍ وقوانينَ تخدم الربح قبل أن تخدم الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، فتلحق الضررَ بالطرفين. وكم يتدخل الاقتصاد في توازنات زائفة بين الجماعات الإثنية والعرقية والجنسية داخل المجتمعات. قوانين المعاشات والبطالة والرواتب والإجازات تحدِّد مدى الاضطراب في علاقة الرجل والمرأة في العالم كلِّه. أنا مع حقوق الأفراد، وليس مع "حقوق الإنسان"! لا شيء أسوأ من تبسيط الأمور الذي يقتل كلَّ شيء.
نبيل الحسيني : و"التبسيط" لا يعني البساطة بالتأكيد...
عـبـد القـادر ياسين :لا شيء أسوأ من تبسيط الأمور الذي يقتل كلَّ شيء! البساطة شيء عظيم جدًّا؛ ولا يصلها إلا كلُّ جهد عظيم. بينما التبسيط المُخِلُّ، وتسطيح المعايير والقيم والأفكار والحقائق، هو محرقةُ كلِّ كتابة إبداعية، ومحرقة كلِّ نقد.
وأعتقد أنَّ انفصال الجسد عن الكون هو من أسباب البلاء الشرقي الذي نعيشه، حيث اجتمعتْ العاداتُ والأعراف والقوانين على استثناء الجسد من أية عناية، وكأن الجسد يشكِّل عند الإنسان العربي مشكلة! من مظاهر الأمراض الثقافية عندنا أننا نتعامل مع جسد المرأة كمشكلة، ومع جسد المراهق كمشكلة، ونتعامل مع ما يلمُّ بهذا الجسد من رغبات ومخاوف وأشواق وشهوات بصفته مشكلةً أيضًا.
والمفارقة العجيبة أن بعض الأنظمة العربية القمعية لا تجد بابًا لإهانة وإذلال شعوبها إلا باب الجسد. خذْ التعـذيب في السجون: إنه يقع على الجسد أولاً. حتى التعذيب النفسي، الذي يقال إنه أقسى أنواع التعذيب، يقع أوَّلاً على الجسد: فأنت تسمع بأذنيك الإهانة، وترى هذه الإهانة بعينيك... الحواس الخمس في جسدك هي التي تتلقَّى الإهانة والعذاب النفسي. البوابة هي الجسد. إن كل ما يُنْصِفُ الجسدَ مُغيَّب وممنوع؛ وكلُّ ما يعذِّب الجسدَ متوفر ـ ولله الحمد!
نبيل الحسيني : أعـرف أنك تـقضي السـاعـات الـطوال في الـقـراءة. ما الي يـٌشـغـلـك وأنت في هـذه الصـومـعـة؟
عـبـد القـادر ياسين : ما يـُشـغـلـني في هذه الحياة هـوالبحث عن مفهوم الحياة، وتأمل معنى الحياة. الحياة، في نظر أيِّ إنسـان، هي حياته؛ ومكان حياته هو جسده. ليس من قبيل الإنشاء أو التفلسف أن أقول إن الجسد الإنساني هو كونٌ تام!
نبيل الحسيني : أي مفكر ترك أثراً عميقاً على مسيرتك الفكرية؟
عـبد القـادر ياسين: بما أن النصّ هو في الواقع تناصّ أي ملتقى لعدة نصوص تلاقحت على مرّ العصور، كذلك الفكر الذي يحمله مثقف هو ملتقي تيارات فكرية عديدة تبدو أحياناً في الظاهر متناقضة. في مطلع الشباب تأثرت بطه حسين وشبلي شميل ولطفي السيد وسلامه موسي وأحمد أمين وعباس محمود العقاد وبرموز الإسلام المستنير مثل قاسم أمين والطاهر الحداد والفاضل بن عاشور وعلال الفاسي وأيضاً بـماركوس أوريليوس وبالقديس أوغستين.. إلخ، كما تأثرت بالتيار الوجودي خاصة جان بول سارتر ثم تأثرت بالتيار الماركسي وخاصة كارل ماركس وروزا لوكسمبورغ ، ثم بالتيار التحليل النفسي وخاصة سـيـغـمـونـد فرويد وفـلـهـلـم رايش. هذه التيارات جميعاً أثرت فيّ بنسب من الصعب تحديدها إلا إذا لجأت إلى التبسيط السائد في الثقافة العربية. لهذا السبب أفضل عدم ارتكاب هذه الخطيئة الفكرية المميتة.
نبيل الحسيني : لك إطلاع غزير على التراث العربي، ولغتك السياسية فيها شيء من سحر البيان، هل فكرت يوماً أن تكتب شعراً، أن تصير شاعراً ؟
عـبد القـادر ياسين: قلت قبل قليل أن النصّ تناصّ .. ونصي يلتقي فيه النقدي بالشعري، والعقلاني بالوجداني، والذاتي بالموضوعي ... حفظت منذ كان سني 18 عاماً ديوان أبي الطـيـِّب المتنبي و"لزوم ما لا يلزم" لأبي الـعـلاء المعري ، وقصائد عديدة لكثير من الشعراء قدماء ومحدثين ... أعـتـقـد أن الشعر والفكر النقدي يتكاملان ولا يتناقضان. فـالشـاعر الألمـاني يوهانس ولفـغـانغ غـوته شاعر ومفكر في آن وهو القائل:" ما من شاعر كبير إلا وهو فيلسوف كبير" وأفلاطون ، رغم كراهيته للشعراء، هو في الواقع شاعر في محاوراته حيث يلتقي قارئه بالشعر والعقلانية معاً .. والأمثلة لا تكاد تحصى.
نبيل الحسيني : هل على الكاتب أو المفكر أن يراجع أفكاره أم يتراجع عنها؟ وهل هناك فرق بين التراجع والمراجعة؟
عـبد القـادر ياسين: في نظري ، إحدى أكبر نواقص العديد من المثقفين في العالم العربي هي أنهم لا يقولون لقارئهم إلا ما ينتظره قارئهم منهم.... نعم أغير أفكاري بمجرد أن أكتشف أن الواقع تجاوزها أو لم تكن متكيفة معه. ولا أضـيـف جديدا إذا قـلـت أن "كل شيء يتغير إلا قانون التغير"، وأزعـم أن من يكابر أمام الوقائع والواقع لا يمكن أن يكون مثقفاً حقاً... ذكـَّرتني بالمرحـوم الشيخ مـحـمـد شـعراوي الذي إتـهـمني بالكفر وقـال فيَّ ما لم يـقـلـه مالك في الخمـر ... لا بأس، فأنا ثوري ورجعي، متدين وملحد، مادي وروحي، ، فأنا كتلة متفجرة من المتناقضات المتعايشة سلمياً .. أنا متدين بكل دين يكون ملاذاً روحياً للغلابى والحزانى والمتألمين، ديناً يكون زفرة الإنسان المكبل بالأغلال وقلباً في عالم لا قلب له ، وروحاً لحقبة لا روح فيها...
فأنا على دين ابن عربي.وأنا ملحد بكل دين يكون دين دولة، يكون دين تعصب، وبكل دين يضطهد الفرد والمرأة وغير المسلم بغرائزه البدائية وعقوباته البدنية. وأنا مادي بالمعني الفيزيائي للمادة القائل بأن "المادة هي الطاقة التي تأخذ شكلاً"، وأنا روحي بمعني أن الروح هو الطاقة التي تسري في العالم،على الكاتب أن يعيد التفكير في أفكاره دون توقف أي أن يراجع أفكاره دائماً ليمتحنها على ضوء حركة الواقع وأن يتراجع عنها كلما اكتشف أنها لم تعد أو لم تكن أصلاً متكيفة مع الواقع. إذاً لا وجود لفارق جوهري بين المراجعة والتراجع فالهدف هو دائماً واحد: البحث عن الحقيقة التي هي دائماً تاريخية، أي نسبية. لماذا؟ لأن معرفتنا بالواقع نسبية وقدرة عقولنا على الإحاطة به والأدوات التي تستخدمها لإدراكه بها نسبية هي الأخرى، فلا يمكننا إدعاء امتلاك الحقيقة التي لا تحول ولا تزول إلا إذا سقطنا في مهاوي التعصب والعياذ بالله
نبيل الحسيني : ماذا تبقى اليوم من ماركسيتك التي اعتنقتها ودافعت عنها طوال السبعينات .. وأي دور لها على منهجك النقدي اليوم؟
عـبد القـادر ياسين: فقري الذي مازال رفيق حياتي كان وربما مازال وراء قناعاتي الماركسية التي وصلت إليها . لم أكن مدفوعاً بقناعات نظرية عميقة بل بغريزة طبقية فقط. ضغينتي على الأغنياء الذين أذلوني في طفولتي ومراهقتي أسقطها على أغنياء العالم الذين وجدت أخيراً لهم اسماً شبه سحري: البرجوازية . مثلما أن الشهية تأتي خلال الأكل كما يقول المثل الفرنسي، فقد بلورت قناعاتي النظرية بعدما آمنت سلفاً بالماركسية. ولكن قد أظلم نفسي إذا قلت إن قناعاتي كانت محض فعل إيمان أي خالية من كل روح نقدي. بدأت أتساءل عن مدى اشتراكية المعسكر الاشتراكي. في ألمانيا الشرقية وقد كنت يومياً أستمع إلى نكات العمال على حساب "جنة الاشتراكية الألمانية". في برلين الغربية كنت في مـقـهى فسألت مجموعة من العمال الشباب عن رأيهم في الماركسية فإقتادني أحدهم إلى خارج المقهى وأشار بسبابته إلى جدار برلين الشهير قائلاً:"هذه هي الماركسية..."
في الحقيقة كانت أوهامي عن الماركسية اللينينية في الاتحاد السوفيتي والأحزاب الشيوعية في العالم العربي قد تلاشت قبل ذلك. دخلت مع الأحزاب الشيوعية العربية في سجال عنيف. وردّوا إليّ الصاع صاعين ً. باختصار حاربتني الأحزاب الشيوعية بالشائعات . كانت مشاعري إزاء ذلك مزيجاً من الشعور بالاضطهاد والعزلة والاعتزاز .. كان اليسار يري فيّ يمينياً واليمين يري فيّ يسارياً متطرفاً.
أعـتـقـد أن ما هو إيجابي في كارل ماركس هو نفحة الفكر النقدي في كتاباته .عندما قرأت "رأس المال":" قلت لبـعـض الرفاق الفلسـطينيين أن هذا الكتاب للذين يفكرون بأنفسهم، أحسست، أنا الآت من ثقافة عربية إسلامية لا يكاد يفكر فيها مفكروها فضلاً عن عامتها إلا بأسلافهم، بأنني انتقلت الى قارة ذهنية أخرى. وبالمثل فـإن نقده لاستخدام الطبقات المالكة للدين كـ"مخدر" لاقي هوى في نفسي، أنا الذي كنت أعي أن إسلام القرون الوسطى يشكل عائقاً دينياً هائلاً يعـتـقـل عـقـول المسلمين ؛ فلا تعود قادرة على التفكير الواقعي فضلاً عن العقلاني في أمور دينها ودنياها. فكرة أخرى عند ماركس أعجبتني ولا تزال تقول بأن وعي قوانين المجتمع - وهي ليست قوانين صارمة بل قوانين ميلية أي قابلة للتعديل ـ تسمح بتدخل بشري ما في مسارات التاريخ الموضوعية أي المستقلة عن وعي البشر... وهكذا فالإنسان لا يعود لعبة الأقدار كما يعتقد المتدينون ولا لعبة البنى الاجتماعية الموضوعية كما يري البنيويون بل يغدو إلى حد ما صانعاً لمصيره.
طبعاً كان كارل ماركس حالماً وانا أيضاً. لا ننسى تأثير طوباوية الكتاب المقدس على ماركس فالمهدي المنتظر أو عودة المسيح حاضر كقماشة الخلفية وراء رؤياه الاشتراكية، لكنه اسقط عودة المسيح، الذي أضفي على أحلامه مسحة إنسانية وأخلاقية، على البلوريتاريا التي بات عليها أن تحقق مهام المهدي المنتظر. نقده لرأس المال هو نقد اقتصادي نصفاً وأخلاقي نصفاً. الحركات الاشتراكية في القرن التاسع عشر ومنها الماركسية كانت أساساً احتجاجاً أخلاقياً على الرأسمالية المتوحشة التي كانت تشغل العمال دون أدني ضمانات 14 ساعة متواصلة بمن فيهم الأطفال الذين كانوا أحياناً يموتون خلال الشغل.
الرأسمالية المعاصرة هي أيضاً، في رأيي المـتـواضع ، غير قابلة للحياة، إذا لم تدخل عليها الإنسانية المفكرة تعديلات جوهرية سواء في نمط إنتاجها أو في نمط استهلاكها . إن موارد الكرة الأرضية محدودة ومهددة بالنفاذ، بعضها مـهـدد بالنفاذ الوشيك مثل الماء والأكسجين، وإذا أرادت البشرية أن تصل يوماً ما إلى مستوي استهلاك مماثل لاستهلاك الولايات المتحدة الحالي فـ "يلزمها لتحقيق هذا الهدف ثلاث كرات أرضية" كما يقول الدكـتـور جيروم باندي مدير مكتب التحليل والتوقع في منظمة "اليونسكو".
الخلاصة أن الرأسمالية تحتاج إلى إصلاحات ثورية سلمية متواصلة تؤدي في النهاية إلى تغيير طبيعتها الإنتاجية والاستهلاكية والتنافسية. التنمية المستدامة التي اقترحتها الأمم المتحدة خطوة أولي في مسيرة الألف ميل إلى هذا الهدف. معني ذلك أن تبدأ الأجيال الحالية في التفكير جدياً في مصير الأجيال التي لم تولد بعد وهذا يتطلب إعادة النظر في الأنانية المرضية المتأصلة في النفسيات اليوم.
ما بقي لي من أحلام الشباب هو الحلم بعالم أفضل، حيث حروب أقل وعنف أقل واضطهاد أقل وفقر أقل وجهل أقل وجروح نرجسية أقل وعقلانية أكثر.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
مواضيع مماثلة
» في ذكرى الشاعر الفلسطيني راشد حسين: شجـرة اقـتلعـت من تـربـتها د.عـبد القادر حسـين ياسين
» الـخـَوف مـن الـكـتـابـة الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أشهر”لا ” في التاريخ الأمـريـكـي!! / الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أمة من الخراف بقلم الدكتور عـبـد القـادر حسـين ياسين
» “أدرَكـَـتـْهُ حـِرفـة الأدب..!”/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» الـخـَوف مـن الـكـتـابـة الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أشهر”لا ” في التاريخ الأمـريـكـي!! / الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أمة من الخراف بقلم الدكتور عـبـد القـادر حسـين ياسين
» “أدرَكـَـتـْهُ حـِرفـة الأدب..!”/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال