بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
في ذكرى الشاعر الفلسطيني راشد حسين: شجـرة اقـتلعـت من تـربـتها د.عـبد القادر حسـين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
في ذكرى الشاعر الفلسطيني راشد حسين: شجـرة اقـتلعـت من تـربـتها د.عـبد القادر حسـين ياسين
في ذكرى الشاعر الفلسطيني راشد حسين: شجـرة اقـتلعـت من تـربـتها
د.عـبد القادر حسـين ياسين*
في الأول من شباط عام 1977 ذكرت وكالات الأنباء، نقلا عن تقارير شرطة مدينة نيويورك، أن الشاعر الفلسطيني راشد حسين "مات مختنقاً نتيجة حريق شب في غرفته من عقب سيجارة". توفي راشد حسين ولم يكمّل عامه الحادي والأربعين، وقد خلف وراءه إرثاً كبيراً من الألم والحزن والمعاناة، من التحدي والمقاومة، هي إرث شعبه الفلسطيني الذي احبه وطالما احترق بلهيب عذابه..
كانت حياة راشد حسين قصيرة إذا قيست بعمر الزمن، غير أنها حياة ضجت بعمق التجربة النضالية الفلسطينية بغزارتها وثرائها. فقد كان صوته أول صوت شعري ينطلق في الوطن المحتل في أعقاب نكبة عام 1948.. وحيداً في ساحة الكلمة، مشاركاً في كل هموم بقايا شعبه الذي وجد نفسه معلقاً على صليب العذاب…
ولد راشد حسين في خضم الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاستعمار البريطاني ـ الصهيوني في عام 1936. ولم يكد يودع أعوام براءته الأولى حتى وجد أن الوطن قد سُحب من تحت قدميه كما يُسحب البساط، حتى قريته الصغيرة، مَصمَص، تلك القرية المتربعة على تلال وادي عارة في المثلث الصغير، الواقعة على طريق طالماً عبرته جحافل الغزاة منذ فجر التاريخ والتي استمدت اسمها من اسم أحد قادة الفرعون المصري رمسيس، حتى قريته هذه ما لبثت في عام 1948 أن تم تسليمها إلى القوات الصهيونية ضمن اتفاقيات الهدنة، شأنها في ذلك شأن بقية قرى المثلث الصغير، وهكذا و جد راشد حسين نفسه فجأة مواطناً فـلـسـطـيـنـياً يحمل جواز سفر ضده.
في الخمسينات كان شاعرنا يطوف القرى الفلسطينية المحتلة يستلهمها وبقايا المدن يبكيها.. ثم يطلق العنان لحنجرته تنفث الأشعار في كل مكان من أرجاء فلسطين، في المثلث، في الجليل، في النقب.. كل القرى عرفته، كل الأزقة والشوارع والمقاهي.. ينشد.. يصرخ.. يصيح.. يبكي من غير دموع.
"يافا التي رضعت من أثدائها حليب البرتقال
تعطش.. وهي من سقطت أمواجها المطر
يافا التي كسرت الأيام فوق هذه الرمال ذراعها تشل،
حين ظهرها انكسر
يافا التي كانت حديقة أشجارها الرجال قد مسحت،
محششة، توزع الخدر!
وكنت في يافا أزيح عن جبهتها الجرذان
وأرفع الأنقاض عن قتلى.. بلا ركب
وأدفن النجوم في الرمال والجدران
وأسحب الرصاص من عظامها.. وأشرب الغضب.
ضد
ضد أن يجرح ثوار بلادي.. سنبلة
ضد أن يحمل طفل.. أي طفل.. قنبلة
ضد أن تدرس أختي عضلات البندقية
ضد ما شئتم.. ولكن
ما الذي يفعله حتى نبي.. أو نبيَّة
حينما تشرب عينيه وعينيهاخيول القتلة
ضد أن يصبح طفلي بطلاً في العاشرة
ضد أن يصبح الغلاماً فؤاد الشجرة
ضد أن تصبح أغصان بساتيني مشانق
ضد تحويل حياض الورد في بيتي خنادق
ضد ما شئتم.. ولكن بعد احراق شبابي
ورفاقي
وترابي
كيف لا تصبح أشعاري.. بنادق؟
إزالة وطن
لقد أزيلت أمام ناظريه ثلائمئة وخمسون قرية فلسطينية، مُسحت من الوجود. أصبح أهلها غرباء في وطنهم، وأخذ الحكم العسكري الصهيوني يُطوّق شعبه بالسلاسل، ويحصي خطواته. وتمتزج مرارة راشد حسين بالسخرية حين يقول:
حتى يتامانا أبوهم غائب
صادر يتامانا، أذن، يا سيدي
لا تعتذر من قال إنك ظالم
لا تعتذر.. من قال أنك معتدي؟"
قبل أواخر الخمسينات أصدر راشد حسين مجموعـتين شعريتين هما "مع الفجر" و"صواريخ". وعلى الرغم من الشعور بالإحباط الذي كان يلف الشعب الفلسطيني في تلك الأيام، فقد آمن شاعرنا بالفجر وأصر على الإيمان بأن الإنسان، في طبيعته، خير وطيب، وبأن قانون الحب والإنسانية لا بد وأن ينتصر.
كان دائماً يرصد الأحداث في الخارج بحثاً عن بارقة أمل. وجدها في معركة السويس، وفي انبثاق حركة عدم الانحياز. وسارع شاعرنا إلى تأصيل هويته، فكتب قصيدة "أنا من آسيا" معبراً عن إيمانه الراسخ بأن المضطهدين سيهبون لمواجهة آلة "الحضارة" الغربية الفاشية المتمثلة أمامه بالصهيونية.
ومع ذلك، فقد تمسك راشد حسين بالسلام، وكره الحرب والقتل والدمار. كان يحلم بسلام عادل بعيداً عن الصهيونية، بعيداً عن القتل والاغتصاب، غير أنه كان يدرك في أعماقه بأن يده الممتدة لن تجد من يصافحها. ففي عام 1958 كتب يقول: "إننا لا نخشى أن نقول أن حبنا لشعبنا هو حب يمتد ليشمل كافة الجماهير في الوطن العربي. أننا نشاركهم آمالهم في التحرر. وكعرب تحت نير الاحتلال، كفانا ما ذقناه من خبز أسود. ربما تكون بعض الطرقات قد مدت بين قرية وأخرى، غير أن الغبي فقط هو الذي لا يدرك بأن ذلك لا يعدو كونه قطعة حلوى تستخدم لاغراء السذج والأبرياء… إننا نواصل الحياة في عالمين منفصلين.. ولو كان الحائط الذي يفصلنا من زجاج لكسرناه، ولو كان من صخر وأسمنت لهدمناه أو تخطيناه.. غير أنه حائط غير مرئي".
في عام 1966 سافر راشد حسين إلى الولايات المتحدة الأميركية، واندلعت حرب حزيران عام 1967. وفي نيويورك بدأت مأساته الثانية. كان يدرك جيداً أن الولايات المتحدة لا تصلح لأن تكون مكاناً ملائماً لإقامته الدائمة. وقرر السفر إلى الدول العربية. وفي عام 1972 حطَّ رحاله في بيروت ولم يلبث أن غادرها في عام 1973، عائداً إلى منفاه الجديد، في مدينة نيويورك.
التحرير
وجد راشد حسين نفسه في مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية حين عـُيـِّن مراسلاً لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في الأمم المتحدة، وهناك عرفته الأوساط الإعلامية الأمريكية والعالمية شخصية نشيطة متألقة. في نيويورك حلَّ تلك المعضلة التي طالما شغلت باله معضلة الحرب والسلام، فقد وصل إلى اقتناع تام بأن الصهاينة لا يعرفون لغة السلام. نشط راشد في الكتابة. ينشد. يقرأ أشعاره. يُحاضر. يتمزق. لقد اختفت من قصائده تلك النبرة المشفقة الباكية، واشتد عوده الشعري.
في قصيدته "الحب والغيتو" يتساءل: "إذا كان النازيون قد طاردوا اليهود إلى داخل أفران الغاز"، فكيف يمكن أن يصبح هؤلاء اليهود أنفسهم قـتله شعبه وجلاديه، يطاردونه إلى داخل أفران الحقد والكراهية.. لم يعد ثمة معيار لراشد حسين غير تحرير شعبه ووطنه من قبضة المحتل الصهيوني.
ظل راشد حسن "إبن القرية" التي غادرها منذ عشر سنوات. وكان الحنين إلى العودة ينخر في جسده وقلبه، غير أنه كان يدرك جيداً استحالة ذلك. يقول أصدقاؤه إنه كان يسير في شوارع نيويورك كما لو كان يسير في أزقة قريته وحواريها. يحيي الناس، يسألهم عن أحوالهم.. يبتسم.. يدعوهم إلى تناول "المجدرة" (أكلة شعبية فلسطينية) غير أن أحداً لم يفهمه.
ويقول د. حليم بركات أنه حين التقى راشد حسين في نيويورك لم يكد يعرفه.. "كانت عيناه أشبه بنافذتين مشرعتين تطلان على عالم اللاشيء. لقد اختفى البريق منهما، كما خفتت نبرة صوته. أحسست بأنه كان يعيش في الماضي.. تطلع إليّ وقال: "أشعر بأنني شجرة اقتلعت من تربتها. تـتـنـفـس هواء غريباً وتشرب ماء ملوثاً. اشعر بأن كل شيء قد انتهى. لو سنحت لي الفرصة لكي أعود إلى "الوطن" لما ترددت لحظة... "
لقد حلَّ راشد حسين معضلته الفكرية دون أن يحل معضلته الذاتية، تلك المعضلة التي لم يحلها إلا الموت، فقد وافقت سلطات الاحتلال الصهيوني بعد جهود مضنية، على السماح له بالعودة محمولاً، على الأكتاف، بعد أن اشترطت أن تدفع كافة النفقات في الخارج.
وهكذا عاد راشد حسين إلى أحضان مَصمَص يلفه البنفسج من كل جانب، منتظراً ذلك اليوم الذي سيشهد فيه عبور فلول آخر الغزاة.
(الصورة المنشورة للشاعر الراحل راشد حسين).
* كاتب وأكاديمي من فلسطين مقيم في السويد.
د.عـبد القادر حسـين ياسين*
في الأول من شباط عام 1977 ذكرت وكالات الأنباء، نقلا عن تقارير شرطة مدينة نيويورك، أن الشاعر الفلسطيني راشد حسين "مات مختنقاً نتيجة حريق شب في غرفته من عقب سيجارة". توفي راشد حسين ولم يكمّل عامه الحادي والأربعين، وقد خلف وراءه إرثاً كبيراً من الألم والحزن والمعاناة، من التحدي والمقاومة، هي إرث شعبه الفلسطيني الذي احبه وطالما احترق بلهيب عذابه..
كانت حياة راشد حسين قصيرة إذا قيست بعمر الزمن، غير أنها حياة ضجت بعمق التجربة النضالية الفلسطينية بغزارتها وثرائها. فقد كان صوته أول صوت شعري ينطلق في الوطن المحتل في أعقاب نكبة عام 1948.. وحيداً في ساحة الكلمة، مشاركاً في كل هموم بقايا شعبه الذي وجد نفسه معلقاً على صليب العذاب…
ولد راشد حسين في خضم الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاستعمار البريطاني ـ الصهيوني في عام 1936. ولم يكد يودع أعوام براءته الأولى حتى وجد أن الوطن قد سُحب من تحت قدميه كما يُسحب البساط، حتى قريته الصغيرة، مَصمَص، تلك القرية المتربعة على تلال وادي عارة في المثلث الصغير، الواقعة على طريق طالماً عبرته جحافل الغزاة منذ فجر التاريخ والتي استمدت اسمها من اسم أحد قادة الفرعون المصري رمسيس، حتى قريته هذه ما لبثت في عام 1948 أن تم تسليمها إلى القوات الصهيونية ضمن اتفاقيات الهدنة، شأنها في ذلك شأن بقية قرى المثلث الصغير، وهكذا و جد راشد حسين نفسه فجأة مواطناً فـلـسـطـيـنـياً يحمل جواز سفر ضده.
في الخمسينات كان شاعرنا يطوف القرى الفلسطينية المحتلة يستلهمها وبقايا المدن يبكيها.. ثم يطلق العنان لحنجرته تنفث الأشعار في كل مكان من أرجاء فلسطين، في المثلث، في الجليل، في النقب.. كل القرى عرفته، كل الأزقة والشوارع والمقاهي.. ينشد.. يصرخ.. يصيح.. يبكي من غير دموع.
"يافا التي رضعت من أثدائها حليب البرتقال
تعطش.. وهي من سقطت أمواجها المطر
يافا التي كسرت الأيام فوق هذه الرمال ذراعها تشل،
حين ظهرها انكسر
يافا التي كانت حديقة أشجارها الرجال قد مسحت،
محششة، توزع الخدر!
وكنت في يافا أزيح عن جبهتها الجرذان
وأرفع الأنقاض عن قتلى.. بلا ركب
وأدفن النجوم في الرمال والجدران
وأسحب الرصاص من عظامها.. وأشرب الغضب.
ضد
ضد أن يجرح ثوار بلادي.. سنبلة
ضد أن يحمل طفل.. أي طفل.. قنبلة
ضد أن تدرس أختي عضلات البندقية
ضد ما شئتم.. ولكن
ما الذي يفعله حتى نبي.. أو نبيَّة
حينما تشرب عينيه وعينيهاخيول القتلة
ضد أن يصبح طفلي بطلاً في العاشرة
ضد أن يصبح الغلاماً فؤاد الشجرة
ضد أن تصبح أغصان بساتيني مشانق
ضد تحويل حياض الورد في بيتي خنادق
ضد ما شئتم.. ولكن بعد احراق شبابي
ورفاقي
وترابي
كيف لا تصبح أشعاري.. بنادق؟
إزالة وطن
لقد أزيلت أمام ناظريه ثلائمئة وخمسون قرية فلسطينية، مُسحت من الوجود. أصبح أهلها غرباء في وطنهم، وأخذ الحكم العسكري الصهيوني يُطوّق شعبه بالسلاسل، ويحصي خطواته. وتمتزج مرارة راشد حسين بالسخرية حين يقول:
حتى يتامانا أبوهم غائب
صادر يتامانا، أذن، يا سيدي
لا تعتذر من قال إنك ظالم
لا تعتذر.. من قال أنك معتدي؟"
قبل أواخر الخمسينات أصدر راشد حسين مجموعـتين شعريتين هما "مع الفجر" و"صواريخ". وعلى الرغم من الشعور بالإحباط الذي كان يلف الشعب الفلسطيني في تلك الأيام، فقد آمن شاعرنا بالفجر وأصر على الإيمان بأن الإنسان، في طبيعته، خير وطيب، وبأن قانون الحب والإنسانية لا بد وأن ينتصر.
كان دائماً يرصد الأحداث في الخارج بحثاً عن بارقة أمل. وجدها في معركة السويس، وفي انبثاق حركة عدم الانحياز. وسارع شاعرنا إلى تأصيل هويته، فكتب قصيدة "أنا من آسيا" معبراً عن إيمانه الراسخ بأن المضطهدين سيهبون لمواجهة آلة "الحضارة" الغربية الفاشية المتمثلة أمامه بالصهيونية.
ومع ذلك، فقد تمسك راشد حسين بالسلام، وكره الحرب والقتل والدمار. كان يحلم بسلام عادل بعيداً عن الصهيونية، بعيداً عن القتل والاغتصاب، غير أنه كان يدرك في أعماقه بأن يده الممتدة لن تجد من يصافحها. ففي عام 1958 كتب يقول: "إننا لا نخشى أن نقول أن حبنا لشعبنا هو حب يمتد ليشمل كافة الجماهير في الوطن العربي. أننا نشاركهم آمالهم في التحرر. وكعرب تحت نير الاحتلال، كفانا ما ذقناه من خبز أسود. ربما تكون بعض الطرقات قد مدت بين قرية وأخرى، غير أن الغبي فقط هو الذي لا يدرك بأن ذلك لا يعدو كونه قطعة حلوى تستخدم لاغراء السذج والأبرياء… إننا نواصل الحياة في عالمين منفصلين.. ولو كان الحائط الذي يفصلنا من زجاج لكسرناه، ولو كان من صخر وأسمنت لهدمناه أو تخطيناه.. غير أنه حائط غير مرئي".
في عام 1966 سافر راشد حسين إلى الولايات المتحدة الأميركية، واندلعت حرب حزيران عام 1967. وفي نيويورك بدأت مأساته الثانية. كان يدرك جيداً أن الولايات المتحدة لا تصلح لأن تكون مكاناً ملائماً لإقامته الدائمة. وقرر السفر إلى الدول العربية. وفي عام 1972 حطَّ رحاله في بيروت ولم يلبث أن غادرها في عام 1973، عائداً إلى منفاه الجديد، في مدينة نيويورك.
التحرير
وجد راشد حسين نفسه في مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية حين عـُيـِّن مراسلاً لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في الأمم المتحدة، وهناك عرفته الأوساط الإعلامية الأمريكية والعالمية شخصية نشيطة متألقة. في نيويورك حلَّ تلك المعضلة التي طالما شغلت باله معضلة الحرب والسلام، فقد وصل إلى اقتناع تام بأن الصهاينة لا يعرفون لغة السلام. نشط راشد في الكتابة. ينشد. يقرأ أشعاره. يُحاضر. يتمزق. لقد اختفت من قصائده تلك النبرة المشفقة الباكية، واشتد عوده الشعري.
في قصيدته "الحب والغيتو" يتساءل: "إذا كان النازيون قد طاردوا اليهود إلى داخل أفران الغاز"، فكيف يمكن أن يصبح هؤلاء اليهود أنفسهم قـتله شعبه وجلاديه، يطاردونه إلى داخل أفران الحقد والكراهية.. لم يعد ثمة معيار لراشد حسين غير تحرير شعبه ووطنه من قبضة المحتل الصهيوني.
ظل راشد حسن "إبن القرية" التي غادرها منذ عشر سنوات. وكان الحنين إلى العودة ينخر في جسده وقلبه، غير أنه كان يدرك جيداً استحالة ذلك. يقول أصدقاؤه إنه كان يسير في شوارع نيويورك كما لو كان يسير في أزقة قريته وحواريها. يحيي الناس، يسألهم عن أحوالهم.. يبتسم.. يدعوهم إلى تناول "المجدرة" (أكلة شعبية فلسطينية) غير أن أحداً لم يفهمه.
ويقول د. حليم بركات أنه حين التقى راشد حسين في نيويورك لم يكد يعرفه.. "كانت عيناه أشبه بنافذتين مشرعتين تطلان على عالم اللاشيء. لقد اختفى البريق منهما، كما خفتت نبرة صوته. أحسست بأنه كان يعيش في الماضي.. تطلع إليّ وقال: "أشعر بأنني شجرة اقتلعت من تربتها. تـتـنـفـس هواء غريباً وتشرب ماء ملوثاً. اشعر بأن كل شيء قد انتهى. لو سنحت لي الفرصة لكي أعود إلى "الوطن" لما ترددت لحظة... "
لقد حلَّ راشد حسين معضلته الفكرية دون أن يحل معضلته الذاتية، تلك المعضلة التي لم يحلها إلا الموت، فقد وافقت سلطات الاحتلال الصهيوني بعد جهود مضنية، على السماح له بالعودة محمولاً، على الأكتاف، بعد أن اشترطت أن تدفع كافة النفقات في الخارج.
وهكذا عاد راشد حسين إلى أحضان مَصمَص يلفه البنفسج من كل جانب، منتظراً ذلك اليوم الذي سيشهد فيه عبور فلول آخر الغزاة.
(الصورة المنشورة للشاعر الراحل راشد حسين).
* كاتب وأكاديمي من فلسطين مقيم في السويد.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» راشد حـُسين والـقـتـال بالـكـلـمـات الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف! /// الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» حـوار مع الباحث الفلسطيني الـدكـتـور عـبد القـادر حسـين ياسين كتب بواسطة نبيل الحسيني
» رَحـمـَة بالـقـُـرَّاء..! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» " الـتـَّـوبـَـة بـمـَرسـوم مـن أمـيـرالـمـؤمـنـيـن..."! الدكتـور عـبد القادر حسين ياسين
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف! /// الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» حـوار مع الباحث الفلسطيني الـدكـتـور عـبد القـادر حسـين ياسين كتب بواسطة نبيل الحسيني
» رَحـمـَة بالـقـُـرَّاء..! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» " الـتـَّـوبـَـة بـمـَرسـوم مـن أمـيـرالـمـؤمـنـيـن..."! الدكتـور عـبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال