بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
" الـتـَّـوبـَـة بـمـَرسـوم مـن أمـيـرالـمـؤمـنـيـن..."! الدكتـور عـبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
" الـتـَّـوبـَـة بـمـَرسـوم مـن أمـيـرالـمـؤمـنـيـن..."! الدكتـور عـبد القادر حسين ياسين
" الـتـَّـوبـَـة بـمـَرسـوم مـن أمـيـرالـمـؤمـنـيـن..."! الدكتـور عـبد القادر حسين ياسين
مناسبة عـيد الـفـطـر الـمـبـارك أصـدر "أمير المؤمنين" الملك محمد السادس "مـرسـومـاً ملـكيـاً" أمـر فيـه بـ "عـفـو ملكي" شمل نحو سـبـعـة آلاف سجين (من بينهم أكثر من 3000 سجين سياسي)...!! وكان من بين المفرج عنهم العـديد من الأشـخاص الذين قضوا في السجن سـنوات طويلـة فوق عـقـوبـتهـم القانونية المقررة. ووفـقـا لـمـا نشـرتـه الصحف المغـربيـة ، فـقـد تأكد لأجهزة الأمن المغـربيـة أن المفرج عنهم "تابوا وعادوا نهائياً عن الأفـكار المتطرفة ونبذوا العـنـف تماماً".... تابوا... وعادوا نهائيا... ونبذوا...تماما!
وأعـتـرف بأنني قرأت الخبر في الصحـف المغـربيـة ، وأعـدت قراءتـه ، غـير مرة في محاولـة لإسـتدراك ما قـد فاتني من معـاني هـذه "المـكـرمـة الملكيـة السـاميـة".
"تابوا؟!"
من نـافـلـة القـول أن لا يـنـتـقـل مُدرك التوبة من التعـابير الديـنـيـة إلى اللغة السياسية ؛ إلا لأن العلاقة بين السلطة والسجناء تماثل العلاقة بين الناس وربّهم.
بـعـبـارة أكثر وضـوحـا ، "يتوب" السجين إلى السلطة كما يتوب العـبـد إلى ربـِّه، والسلطة تـسـتـتـيب "الخاطـئـيـن" كما يـسـتـتــيـب القائمون على الإسلام في بلـد يحـكـمـه "أمير المؤمنين" المخالفين لهم. ولعـله من عـناصر السيادة الباقـية للمـمـلكـة المـغـربيـة ( وغـيـرهـا من الدول العـربية في المشـرق والمـغـرب) أن تـستـتـيـب إسلاميين مستـتـيـبـيـن بـدورهم، أي أن تحـتكر لنفسها ممارسة الاستـتـابة المشروعة.
أنهى الكثيرون مـمـن أطـلـق سـراحـهـم مدة عـقـوبتهـم المقررة البالغة عـشرين عاماً ولم يـُفـرج عـنهـم حتى حين أنهـوا سـنواتهـم العـشرين في "مُـدُن السـُجون" التي أقـامهـا "أمير المؤمنين" الراحل الملك الحسـن الثاني في أعـمـاق الصحراء الغـربيـة.
مـاذا يعـني هـذا؟
هـذا يعـني ، بـكـل بسـاطة ، أن الحكومـة المغـربية، التي تـفـخـر بأن لـديهـا وزارة خـاصـة بـ "حـقـوق الإنسـان" ، تحـتـقـر عـدالتها ، وتـدوس على حـقـوق الإنسـان والقـوانين التي وضعـتـها هي بالذات...!! إنها تفعـل ذلك لأن حـقـيـقـتـها أسوأ بكثير من عـدالتها، لأنها مـُضادة لكل عـدالة حتى لو لـفـَّقـتها عـلى مزاجها. ليست حـقـيـقة هـذه السلطة في شيئ غـيـر الاعـتـبـاط المطلق، والاغـتـصـاب والحقـد والقسوة.
وكـمـا قـال الصـديق الشـاعـر المغـربي المناضل عـبـداللطيف اللعـبي الذي أمضى سنوات طويلة في "مـدن السـجون" ، : "ليست هذه السلطة غير قانونية بل هي مضادة للقانون"، وليست غير شرعـية بل هي مضادة للشرعـية، وليست غـير عـادلة بل ليس هـناك أي معايير يمكن أن تكون عـادلة وفقا لها.
ليس العـفـو من شيم "أمير المؤمنين" ، ولا حكومتـه الرشـيدة التوابة أو المستتيبة ولم يكن يـومـا كـذلك...في هـذا السـجن العـربي الكبير الذي يمتـد من طـنجـة على المحيـط إلى أم القيوين على الخليج ، ، لا أحـد يخرج من السجن إلا لأن "صاحب الجلالـة" أو "الفـخـامـة" أو "السـمو" قـد منّ عـليه بالعـفـو.
فـبـمنـاسبة طـهـور "صـاحب السـمو الملكي" أصـدر "أمير المؤمنين"عفوه الملكي السـامي عن شيوخ في عـمـر والـده قضـوا اثنين وعشرين عاما في السجن من أصل حكم مدته عشرون عاما قـضت به "عـدالة " المحكمـة!.
ليس صحيحاً هـنا القـول إن السلطة لا تحـتـمل إعـتـراضا، فهي بالأحرى تطلب القـبـول والتسليم وتنالهما غـصـباً. لذلك لا تكتفي بالعـقاب (قصاصا من المعـترضين وزجرا للاعـتـراض) بل تتعـداه نحو التوبة ("اسـتـئـصال" التائب لنفسه). فالعـقاب جـزاء "جـريمة" ارتكبها الشخص مع بقائه هو نفـسه، أما التوبة فهي تبديل للشخص ذاته، هي قـلب شخـصـيته من الداخل. وبينما يـعـاقـب القانون الشخص على فعـل أتاه، فإن التوبة "تعاقـب" كيان الشخص وقوام شخصيته.
والعـقـاب غير العـقـلاني الذي تـنـزله السـلـطة ، العـقـاب الذي يجـتـمـع فيه الهَـول والإفـراط واللاتـنـاسب المطـلق مع "الجريمة" من جهة، واستحالة التوقـع وانفلات المصير التام من يد الضحية البائس من جهة أخرى، يخلق لديه الذاكرة الصحيحة ويُرسِّخ المنعـكسات الشرطية المناسبة، التي تضمن أن "يعـود ... تـمـامـاً، ويـنـبـذ ... نـهـائـياً...."
وتـتـويـج صناعة الذاكرة هـذه هـو التـوبة التي تمثـل لحـظة القـطـيـعـة لا مع الماضي المخـتـلـف للسجين بل مع اختلافه المؤسس لشخـصـيـته. فالتوبة بالفعـل فعـل إخصاء، بل اغـتـصـاب روحي ونفسي. وقد أضحى المتمرد الآن معـقـمـاً، نهـائياً وتماماً، من نوازع العـنـف والأفكار المتطرفة. إنه "الخروف الأمثل" الذي "لا يـَنطح ولا يـَنكـح"، الذي يتبع الراعي كـظـلـه ضاربا "القـدوة الحسنة" للقـطـيع.
ولا يحتاج المـرء إلى عـبـقـريـة فـذة أو ذكـاء خارق ليـدرك أن هـذه "التـوبـة" تصادر حـق الناس في تغـيير أفكارهم، وهو حقٌ تكـفـلـه كل الشرائع ومواثيق حـقـوق الإنسـان ويتسع للتحـول عن هـذه الأفـكـار إلى غـيرها أو عـكسها. فحرية الاعـتـقـاد هي حرية تغـيـيـر الاعـتـقـاد. وفرض التخلي عن المعـتـقـدات قسراً، مثل فـرض المعـتـقـدات قـسراً، ليس اعـتداءاً على الحرية فـحسـب ، بل هو كذلك اعـتداء على الاعـتـقاد ذاته (الاعتقاد دون حرية إعتقاد هو تقـلـيد).
والوجه الآخر لمصادرة الحق في تغيـيـر الرأي والاعـتـقـاد هو جعـل السلطة "المـعـيارالـوحيـد للحـقـيـقـة" و"للرأي الصحـيـح" و"الاعـتـقـاد الصائب". وهـكـذا يكون السجين "مخـطـئـا بالضرورة" لأن السلطة "على حقّ بالبداهة"... هي الحقّ ذاته.
قـد يزعـم البعـض (وخـاصـة أولئك الذين "يأكلون خبز السلطـان ويـحـاربون بسـيفـه") أن مـعـتـقـدات "التائـبـيـن" كلها خاطئة من وجهات نظرهـم، لكن هذا أمرٌ خارج الموضوع تماما. فليس هناك أحد ليس مخطـئا من وجهات نظر أولئك الذين يزعـمون أنهـم ـ وحـدهـم ـ على حـقّ ، وغيرهـم في "ضـلال مُبـيـن" . لكن خطأ السجين ليس مسألة وجهات نظر مشروعة على قدم المساواة مع غـيرها بقـدر ما هو مسألة "وجهة قـوة" وحيدة تحـتكر تحـديد الشرعـية والصواب. وكم من أبناء هذه الأمة تضمهم جـدران المعـتـقـلات والسجـون وظـلام الأقـبـيـة دون أن تكون لهم من جـريرة إلا أنهم يحـمـلون بين جـوانحهم أفـكارا لا تـُرضي سـجـَّانيهم أو آراء لا تـتـفـق والرأي المفـروض ؟
إن الكثيرين مـِن مـَن يـتـشـدقون بالحـديث عـن الديموقراطية لا تـتـسع صـُدورهم لأكثر مما يؤمنون به، ولا تـتـسامح نفوسهم مع الذين يـخـتـلـفـون معهم، ولا تـنـظـر عـُيونهم إلى أبعـد من مواقع أقـدامهم، ولا تـملك عـقـولهم الشجاعة التي يمكن أن تـُدير أكثر من فـكرة في وقت واحد.
إن الديموقراطية، في رأيي المتواضع، ليست نظام حكم، وليست مجـرد دعـوة سياسية. إنها ليست حـزباً ولا تنظيماً ولا تجمعـاً. إنها مـَنـهـج فـكر، وهي سلوك، وهي قـناعة لا يمكن أن يـتـبـدل حاملها. وهي، بهذا، إطار لحياة الفـرد والمجموع ... إن الديموقراطية هي التسامح، وهي السموّ فوق التعـصـب، وهي الاقـتـنـاع بأنه ليس من بين البـشر ثمة من يملك الحـق في الادعاء بأنه يـملك الحقـيـقـة من كل نواصيها، وأنه وحـده ـ دون سواه ـ الذي يحتكم إليه الناس وتنتهي عنده الأمور . لقد آن الأوان أن ترتفع أصواتنا جميعا، وأن تتحد قـوانا في وجه فرق الاغـتيالات وسماسرة الموت الأحمق، وعـضلات التنكيل الجائر، وسجون الرأي الآخر .
لم يـتـفـق الزعـمـاء العـرب يومـا كما إتفـقـوا على التـنـكيل بالرأي الآخر... وهـكـذا أصبح الرفـض والاحتجاج والتمرد "رجسٌ من عـمـل الشيطان..."
في كتابـه القـيـِّم "جواب شكوى" يروي الدكتـور مـحـمـد إقـبـال ، الشاعر والفيلسوف الهـنـدي الكبير ، حوارا متخيلا مع الله :
"سألني الله يوماً هل يـُعـجـبـك العالم؟
قـلت : لا...
قال: إذن غـيـّره...
لم يـَغـضـب الله من الاحتجاج والاعـتـراض والرفـض،
بل قـبل إعـتـراض إبـلـيس عـلى السجـود لآدم وحاوره، واستجاب لمطـلبه ...
"قال أنظرني، قال إنك من المنظرين..."
طلب إبليس الزمان وأعطاه الله له كي يبدأ التحـدي.
فالإنسان مركز الكون، مُكّرم في الأرض ...
"ولقد كـرَّمنا بني آدم في البـر والبحر"...
وعـليه أن يثبت ذلك بالفعـل دفاعا عن ملكوته وكرامته بالسعي في الأرض والكـدح فيها".
هـذا مـا يقـولـه "الفيلسوف الذي أسـَّس دولـة" (باكسـتان)... ويـبـدو لي أن "أمير المؤمنين" لا يرى في القرآن كلـه إلا الآية :"...وأطيعـوا الله وأطيعـوا الرسول وأولي الأمر منكم"...
وبـعــد ،
إنّ "التـوبة" ، وخاصـة عنـدما تـصـدر بمرسوم ملكي ، لا تـُصلح إعـتـقـادات خاطئة بقـدر ما تحجـبـها وتـُغـطـي عـليها... بل هي تـلغي فرص تصحيح الأخطاء ومراجعـتـها الحـرة وتـَحرم المجتمع من تمثل تجاربه وتصحيح أخطائه وإنتاج أو تطوير معاييره. والمجتمعات التي لا تنتج معاييرها تبقى مخـطـئة ...دائماً، وكـسيحة... تماماً، ومستعـبـدة... نهائيا.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» الـعـَـرَب والدَوَران إلى الـخـَلـف / الدكتـور عبد القادر حسين ياسين
» الطريـق الملكي لـلوصول الى الحقيقة/ الدكتـور عبد القادر حسين ياسين
» الدكتور شريـف حتاتة : قامَة تـَسـَتـعـْـصي على القِياس…!/ الدكتـور عبد القادر حسين ياسين
» رَحـمـَة بالـقـُـرَّاء..! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف! /// الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» الطريـق الملكي لـلوصول الى الحقيقة/ الدكتـور عبد القادر حسين ياسين
» الدكتور شريـف حتاتة : قامَة تـَسـَتـعـْـصي على القِياس…!/ الدكتـور عبد القادر حسين ياسين
» رَحـمـَة بالـقـُـرَّاء..! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف! /// الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي