بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
عـنـدمـا يرتـدي السـَّفـَّاحـون ثياب القِـدّيـسـيـن // الدكتورعـبـد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
عـنـدمـا يرتـدي السـَّفـَّاحـون ثياب القِـدّيـسـيـن // الدكتورعـبـد القادر حسين ياسين
عـنـدمـا يرتـدي السـَّفـَّاحـون ثياب القِـدّيـسـيـن // الدكتورعـبـد القادر حسين ياسين*
2014-01-16
عـنـدمـا يرتـدي السـَّفـَّاحـون ثياب القِـدّيـسـيـن
الدكتورعـبـد القادر حسين ياسين*
"إنَّ التاريخ لا يـعـدو كـونـه أشـياء لـم تـحـدث
دوَّنـهـا مؤرخـون لم يـكـونـوا هـنـاك"
ثـوماس كـارلايل
أتذكر هـذه الـعـبارة كلما طالعت كتابا من كتب التاريخ العربي، فدخلت في متاهاته دون أن أستطيع الخروج ... خضم هائل من المكائد والحروب وقيام الدول وأفولها، ومع ذلك لا يوجد شيء يمكن التيقـن منه أو الركون إليه.
لقد تداخل الكذب في الصدق.
وعـشـَّـش الوهم داخل أنسجة الحقيقة.
قرأت أول سطور التاريخ في كتب المدرسة ، وهي أسوأ أنواع الكتابة التاريخية. فهي ليست فقط مليئة بالثغـرات وإهمال العـصور والشخصيات التي لا ترضي النظام الحاكم، بل إنها تـفـتـقـر أيضا إلى العـنصر الإنساني ... ذلك أنـهـا تحيل كل شيء إلى أسباب ومسببات جاهزة للحفـظ ، صورة محنطة للتاريخ يرددها التلاميذ كالببغاوات.
ثم تعرفت على الوجه الخيالي للتاريخ من خلال روايات جورجي زيدان. وهكذا تحولت الفتن والأحداث الدامية إلى قصص من العشق الموله. وأصبحت تقلبات الدول مجرد مصادفات فردية تعـسة ، وأصبح في كل حقـبة تاريخية "عـذراء" لا هـَمّ للملوك والسلاطين إلا التغـرير بها... أو طفل ضائع تعــقـد كل المؤامرات لإبعاده عن أبويه.
ثم أدركت أن التاريخ هو أشد قسوة وأكثر جدية من مجرد مصادفة... وأن الحب هو استثناء عابر وسط عهود الاستبداد الطويلة.
قرأت كتب التراث الـعـربي بعد ذلك محاولا أن أصل إلى جذور الحقيقة. ولكنها ظلت مراوغة. كانت الأوراق الصفراء تعرض الحقيقة ونقيضها بالدرجة نفسها من القوة والإحكام. كان تاريخا يعـتمد على الذاكرة الشخصية. وتتحكم في ذات المؤرخ نوازع الخوف والرهبة والتوقي من غـدر الزمان وبطش السلطان... تاريخا خائفا مرتعدا.
وتواصلت رحلتي مع كتب التاريخ المعاصر التي تدعي الموضوعية وتدعم رأيها بالوثائق ، وإذا بالأحداث - الأحداث نفسها - تنقلب إلى النقيض. كل مؤرخ يقرأ التاريخ وفق منظور معـين ويقدم له تفسيرا مختلفا. وفي النهاية فإن كل ما فعلوا هو أنهم أفقدوا التاريخ تلك الهالة الرومانسية التي كانت تحيط به دون أن يقدموا له مذاقا مختلفا. وعندما كنت أقـيـم في تـونس في مـطلـع الثمانينات، سألت مـدير مـدرسـة ثانوية ذات يـوم عن كتب التاريخ الخاصة بتونس فنظر إلي في فزع ثم قال بتردد :
" التاريخ هنا مسألة حساسة. ولا توجد لدينا كتابات قاطعة بهذا الشأن ". وعندما سألته في دهشة عما يدرسه الأطفال في المدارس قال في ثقة: " كل شيء... فتوحات الإسكندر الـمـقـدوني... الثورة الفرنسية... حرب الاستقلال الأمريكية.. .و.. و... ".
ويظل التاريخ العربي غريبا. ويبدو أننا لكثرة ما نعيش في الماضي لا تستطيع أن نراه جيدا. فهو يكتسب بالتقادم نوعا من القدسية لا يمكن المساس بها. ويتخذ الحكام صفات مطلقة لا تدع لنا مجالا لانتقادها. ويرتـدي السفاحون ثياب القديسين لأن القديسين الحقيقيين لا يقدرون على لبسها. ونفتقد ذلك العقل الحـرّ القادر على الجدل بحيث يفرق بين ما هو أصيل وما هو زائف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فـلـسطيني مقيم في السويد .
2014-01-16
عـنـدمـا يرتـدي السـَّفـَّاحـون ثياب القِـدّيـسـيـن
الدكتورعـبـد القادر حسين ياسين*
"إنَّ التاريخ لا يـعـدو كـونـه أشـياء لـم تـحـدث
دوَّنـهـا مؤرخـون لم يـكـونـوا هـنـاك"
ثـوماس كـارلايل
أتذكر هـذه الـعـبارة كلما طالعت كتابا من كتب التاريخ العربي، فدخلت في متاهاته دون أن أستطيع الخروج ... خضم هائل من المكائد والحروب وقيام الدول وأفولها، ومع ذلك لا يوجد شيء يمكن التيقـن منه أو الركون إليه.
لقد تداخل الكذب في الصدق.
وعـشـَّـش الوهم داخل أنسجة الحقيقة.
قرأت أول سطور التاريخ في كتب المدرسة ، وهي أسوأ أنواع الكتابة التاريخية. فهي ليست فقط مليئة بالثغـرات وإهمال العـصور والشخصيات التي لا ترضي النظام الحاكم، بل إنها تـفـتـقـر أيضا إلى العـنصر الإنساني ... ذلك أنـهـا تحيل كل شيء إلى أسباب ومسببات جاهزة للحفـظ ، صورة محنطة للتاريخ يرددها التلاميذ كالببغاوات.
ثم تعرفت على الوجه الخيالي للتاريخ من خلال روايات جورجي زيدان. وهكذا تحولت الفتن والأحداث الدامية إلى قصص من العشق الموله. وأصبحت تقلبات الدول مجرد مصادفات فردية تعـسة ، وأصبح في كل حقـبة تاريخية "عـذراء" لا هـَمّ للملوك والسلاطين إلا التغـرير بها... أو طفل ضائع تعــقـد كل المؤامرات لإبعاده عن أبويه.
ثم أدركت أن التاريخ هو أشد قسوة وأكثر جدية من مجرد مصادفة... وأن الحب هو استثناء عابر وسط عهود الاستبداد الطويلة.
قرأت كتب التراث الـعـربي بعد ذلك محاولا أن أصل إلى جذور الحقيقة. ولكنها ظلت مراوغة. كانت الأوراق الصفراء تعرض الحقيقة ونقيضها بالدرجة نفسها من القوة والإحكام. كان تاريخا يعـتمد على الذاكرة الشخصية. وتتحكم في ذات المؤرخ نوازع الخوف والرهبة والتوقي من غـدر الزمان وبطش السلطان... تاريخا خائفا مرتعدا.
وتواصلت رحلتي مع كتب التاريخ المعاصر التي تدعي الموضوعية وتدعم رأيها بالوثائق ، وإذا بالأحداث - الأحداث نفسها - تنقلب إلى النقيض. كل مؤرخ يقرأ التاريخ وفق منظور معـين ويقدم له تفسيرا مختلفا. وفي النهاية فإن كل ما فعلوا هو أنهم أفقدوا التاريخ تلك الهالة الرومانسية التي كانت تحيط به دون أن يقدموا له مذاقا مختلفا. وعندما كنت أقـيـم في تـونس في مـطلـع الثمانينات، سألت مـدير مـدرسـة ثانوية ذات يـوم عن كتب التاريخ الخاصة بتونس فنظر إلي في فزع ثم قال بتردد :
" التاريخ هنا مسألة حساسة. ولا توجد لدينا كتابات قاطعة بهذا الشأن ". وعندما سألته في دهشة عما يدرسه الأطفال في المدارس قال في ثقة: " كل شيء... فتوحات الإسكندر الـمـقـدوني... الثورة الفرنسية... حرب الاستقلال الأمريكية.. .و.. و... ".
ويظل التاريخ العربي غريبا. ويبدو أننا لكثرة ما نعيش في الماضي لا تستطيع أن نراه جيدا. فهو يكتسب بالتقادم نوعا من القدسية لا يمكن المساس بها. ويتخذ الحكام صفات مطلقة لا تدع لنا مجالا لانتقادها. ويرتـدي السفاحون ثياب القديسين لأن القديسين الحقيقيين لا يقدرون على لبسها. ونفتقد ذلك العقل الحـرّ القادر على الجدل بحيث يفرق بين ما هو أصيل وما هو زائف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فـلـسطيني مقيم في السويد .
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» غـيـابٌ في الغـيـاب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» أقـَلّ من كـَلـب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسين ياسين
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» غـيـابٌ في الغـيـاب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» أقـَلّ من كـَلـب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 4 مايو 2024 - 11:41 من طرف حاتم أبو زيد
» هدية العصفورة إليك .
الأحد 28 أبريل 2024 - 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
السبت 27 أبريل 2024 - 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 27 أبريل 2024 - 15:40 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج