بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
ألـيـسـَت تـلـك أنـصـَع صورة لـتـخـلـفـنا... ؟!الدكتور عبد القادرحسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
ألـيـسـَت تـلـك أنـصـَع صورة لـتـخـلـفـنا... ؟!الدكتور عبد القادرحسين ياسين
كانت اشجار الزيزفون تتدلى برفق وتتمايل كخلاخيل العذارىالمتوجهات إلى نبع قروي في سفح
جبل شامخ ، ومصفوفة على نحو شعري فائق الروعة. ليس ثمة شئ يوحيبالانحراف. البحيرة
الزرقاء تتقاسم سعادتها زوارق شراعية مزركشة ، والارصفة كأنها مرايا لا غبار فيها ولا أوساخ ، بل تتكئ على أعشاب مزهـرة ذات مستوى واحد ، وكأنها حفلة عرس أعـد اعـداداً فنياُ شيقا للغاية.
في شمال ستوكهولم تقع "سكانسن"Skansen داخل غابة ضخمة ، والبلابل تنشد فيها بكل طمأنينة .... لا يعـكر صفوها شئ ، وعلاقتها بالناس لها صفاء وألفة .
قال لي الصديق الكردي الذي كان يرافـقـني :" لماذا تبتعـد عـنا العصافير؟!
أجبته بأن حدسها ربـَّمـا أشعرها بأننا من الجنوب ، وأننا من هواة أكل لحومها ، وذلك هو السبب.
إن المتمعـن والمتأمل لتفاصيل جمال العاصمةالسويدية الفائق والموغـل في السحر يكتشف أن الانسان يستطيع ، بالفعل ، أن يتغـلب على التخلف إذا كان يرغـب في ذلك ...
كلّ ما في هذه المدينة التي يطلق عليها الاوروبيون لقب "بندقية الشمال" قد خضع لمقاييس هندسية وجمالية غاية في الدقة والتناغـم ، وهي في حالتها هذه شبيهة جداً بمعـمارسيمفونية متميزة... فلا الفندق في مكان المسرح ، ولا المطعم في مكان المستشفى ...
إن الفضاء الجمالي في هذه المدينة ناتج عن نسج العلاقات بين المباني والطبيعة نسجـاً يتيح
للانسان الفرصة أن يشعر بوجوده وإانسانيته، ويتحرر من المشكلات التي يخلقها المحيط الردئللذات المبدعة .
ولا أغالي اذا قلت بأن المرء ، في ستوكهولم ، يشـعر بانسانيته وشساعتها، وتدفقها ... لقـد اكتشفت إكتشافا بسيطاً ، ولكنه عميقٌ جداً ، وهو أن الانسان في العالم الثالث يعشق الجمال ويتذوقه تذوقا مرهـفـاً ، ولكنه يعجزعن صناعته باستمرار،وبالصورة التي يتخيلها .
إن المسافة التي تفصل بين خيال الإنسان وحقيقة واقعه هي صلب الحالة الدرامية التي يعاني منها... الانسان في العالم الثالث يملك من الخيال الخلاب الشئ الكثير، لكن مأسـاته تكمن في أن جمالية ما يتخيله لا يعـمل باتقان وتواصل لتجسيدها في المحيط الذي يعيش فيه...
من نافلة القول أننا نملك طبيعة رائعة ، تركناها في توحشها وبـداوتها... ونحن نملك ايضا مناطق جميلة يمكن ان تنشـأ فيها مدن وقرى ومنتـجعـات رائعة الجمال لو جـعـلنا عملنا ينهض على معيار قائم على العلم والفن .
ان غياب البعـد الجمالي والاتقان في حياة شعب من الشعوب يؤكد ، فعلا ، تخلفه وانغماسه في حياة البداوة في صيغـتها الجلفة...كم هو محزن منظر الشوارع في المدن العربية المملوءة بأعقاب السجائر ، وبقايا فضلات الأكل ،والثياب القديمة ، والمياه الراكدة ...وكم هي محزنة شـُرفات عماراتها التي تستعمل لنشر الغسيل واللحم المـُقـدَّد ، والبصل المُجفـف ، بدلا من الياسمين ،والقرنفل والاشجار التي لا تموت في الظل .
أين هي المدينة العـربية (من طـنجـة الى أم الـقـيـويـن) التي لا يحكمها الغـبار ، وتخـلو شوارعهـا وأزقتـهـا من برك الوحـل؟!
نحن قمنا بـ "ترييف" المدن بعـد أن سلبناها ما هو جميل وعـذب في الريف من طبيعة وهـدوء وألفة وأنس...
أليست تلك أنصع صورة لتخلفنا ؟ ولا ينبغي ان يظل وعـينا لتخلفنا تاكيداً له ،أو دورانا في حلقاته
المفرغة ، بل ينبغي أن تقودنا التجارب والدروس ،وان يقودنا وعـينا هذا الى دراسة الامكانيات التي
تساهم في اخراجنا من الوضع المتدهور القائم نحو حياة افضل وأنبل وأزهى .
إنني لا أتصور تقدما في ظل الغبار ، ولا أتخيل تقدما في ظل تكريس الفوضى ، ولا أتصور، في المقابل ، نهضة حقيقية في مختلف المجالات بدون أن ينهض كل ذلك على معايير العلم والفن ومشتقاتهما ...
ذلك ، في رأيي المتواضع ،هوالطريق الحقيقي الذي ـ اذا سرنا عليه ـ يؤدي بنا ،لا محالة ، الى خلق مجتمع صحي تتفاعل فيه القدرات ، وتتحاور في مناخه التطلعات ،وتنفجر فيه المواهب الكامنة تفجراً مبدعا ،وتنشط على ضوء ذلككله الهمم ، وتوظف الطاقات في عملية النسج على النول الحضاري الحقيقي ، للمشاركة في صياغة عالم عربي متطور، وانسان عـربي خالٍ من العـُقـَد والانحرافات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كـاتـب وأكـاديمي فـلـســطـيني مـقـيـم في السـويد
جبل شامخ ، ومصفوفة على نحو شعري فائق الروعة. ليس ثمة شئ يوحيبالانحراف. البحيرة
الزرقاء تتقاسم سعادتها زوارق شراعية مزركشة ، والارصفة كأنها مرايا لا غبار فيها ولا أوساخ ، بل تتكئ على أعشاب مزهـرة ذات مستوى واحد ، وكأنها حفلة عرس أعـد اعـداداً فنياُ شيقا للغاية.
في شمال ستوكهولم تقع "سكانسن"Skansen داخل غابة ضخمة ، والبلابل تنشد فيها بكل طمأنينة .... لا يعـكر صفوها شئ ، وعلاقتها بالناس لها صفاء وألفة .
قال لي الصديق الكردي الذي كان يرافـقـني :" لماذا تبتعـد عـنا العصافير؟!
أجبته بأن حدسها ربـَّمـا أشعرها بأننا من الجنوب ، وأننا من هواة أكل لحومها ، وذلك هو السبب.
إن المتمعـن والمتأمل لتفاصيل جمال العاصمةالسويدية الفائق والموغـل في السحر يكتشف أن الانسان يستطيع ، بالفعل ، أن يتغـلب على التخلف إذا كان يرغـب في ذلك ...
كلّ ما في هذه المدينة التي يطلق عليها الاوروبيون لقب "بندقية الشمال" قد خضع لمقاييس هندسية وجمالية غاية في الدقة والتناغـم ، وهي في حالتها هذه شبيهة جداً بمعـمارسيمفونية متميزة... فلا الفندق في مكان المسرح ، ولا المطعم في مكان المستشفى ...
إن الفضاء الجمالي في هذه المدينة ناتج عن نسج العلاقات بين المباني والطبيعة نسجـاً يتيح
للانسان الفرصة أن يشعر بوجوده وإانسانيته، ويتحرر من المشكلات التي يخلقها المحيط الردئللذات المبدعة .
ولا أغالي اذا قلت بأن المرء ، في ستوكهولم ، يشـعر بانسانيته وشساعتها، وتدفقها ... لقـد اكتشفت إكتشافا بسيطاً ، ولكنه عميقٌ جداً ، وهو أن الانسان في العالم الثالث يعشق الجمال ويتذوقه تذوقا مرهـفـاً ، ولكنه يعجزعن صناعته باستمرار،وبالصورة التي يتخيلها .
إن المسافة التي تفصل بين خيال الإنسان وحقيقة واقعه هي صلب الحالة الدرامية التي يعاني منها... الانسان في العالم الثالث يملك من الخيال الخلاب الشئ الكثير، لكن مأسـاته تكمن في أن جمالية ما يتخيله لا يعـمل باتقان وتواصل لتجسيدها في المحيط الذي يعيش فيه...
من نافلة القول أننا نملك طبيعة رائعة ، تركناها في توحشها وبـداوتها... ونحن نملك ايضا مناطق جميلة يمكن ان تنشـأ فيها مدن وقرى ومنتـجعـات رائعة الجمال لو جـعـلنا عملنا ينهض على معيار قائم على العلم والفن .
ان غياب البعـد الجمالي والاتقان في حياة شعب من الشعوب يؤكد ، فعلا ، تخلفه وانغماسه في حياة البداوة في صيغـتها الجلفة...كم هو محزن منظر الشوارع في المدن العربية المملوءة بأعقاب السجائر ، وبقايا فضلات الأكل ،والثياب القديمة ، والمياه الراكدة ...وكم هي محزنة شـُرفات عماراتها التي تستعمل لنشر الغسيل واللحم المـُقـدَّد ، والبصل المُجفـف ، بدلا من الياسمين ،والقرنفل والاشجار التي لا تموت في الظل .
أين هي المدينة العـربية (من طـنجـة الى أم الـقـيـويـن) التي لا يحكمها الغـبار ، وتخـلو شوارعهـا وأزقتـهـا من برك الوحـل؟!
نحن قمنا بـ "ترييف" المدن بعـد أن سلبناها ما هو جميل وعـذب في الريف من طبيعة وهـدوء وألفة وأنس...
أليست تلك أنصع صورة لتخلفنا ؟ ولا ينبغي ان يظل وعـينا لتخلفنا تاكيداً له ،أو دورانا في حلقاته
المفرغة ، بل ينبغي أن تقودنا التجارب والدروس ،وان يقودنا وعـينا هذا الى دراسة الامكانيات التي
تساهم في اخراجنا من الوضع المتدهور القائم نحو حياة افضل وأنبل وأزهى .
إنني لا أتصور تقدما في ظل الغبار ، ولا أتخيل تقدما في ظل تكريس الفوضى ، ولا أتصور، في المقابل ، نهضة حقيقية في مختلف المجالات بدون أن ينهض كل ذلك على معايير العلم والفن ومشتقاتهما ...
ذلك ، في رأيي المتواضع ،هوالطريق الحقيقي الذي ـ اذا سرنا عليه ـ يؤدي بنا ،لا محالة ، الى خلق مجتمع صحي تتفاعل فيه القدرات ، وتتحاور في مناخه التطلعات ،وتنفجر فيه المواهب الكامنة تفجراً مبدعا ،وتنشط على ضوء ذلككله الهمم ، وتوظف الطاقات في عملية النسج على النول الحضاري الحقيقي ، للمشاركة في صياغة عالم عربي متطور، وانسان عـربي خالٍ من العـُقـَد والانحرافات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كـاتـب وأكـاديمي فـلـســطـيني مـقـيـم في السـويد
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» الـمَـنـفـى والـعـَودة الـمُـسـتـَحـيـلـة/ الدكتور عبد القادرحسين ياسين الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» تأملات وإنـفـعـالات شـخــصـيـة جـداً // الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» العـنصرية الأيـديولوجية الجديدة ورهـاب الإخـتـلاط / الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» أول مفـرزة قـتالية يسارية في تاريخ الولايات المتحـدة الدكتور عـبـد القادرحسين ياسين
» ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» تأملات وإنـفـعـالات شـخــصـيـة جـداً // الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» العـنصرية الأيـديولوجية الجديدة ورهـاب الإخـتـلاط / الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» أول مفـرزة قـتالية يسارية في تاريخ الولايات المتحـدة الدكتور عـبـد القادرحسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال