بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
سمير و الشجرة العظيمة
+2
ميساء البشيتي
نسيم الطبيعة
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 2
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
سمير و الشجرة العظيمة
كان سمير منهمكا في جمع الفطر حين سمع صوت أنين غير بعيد عنه. رفع رأسه يستطلع المكان. التفت يمنة ويسرة .ثمّ استدار خلفه فلم يعثر على مصدر الصّوت. أسند يده اليمنى إلى ظهره وظلل عينيه باليد الأخرى حتى يتمكن من رؤية جيّدة.
كان المكان مترامي الأطراف. ينخفض تارة و يرتفع أخرى . و قد اكتسى بلون أخضر زاه . تفتحت في جنباته أزهار الأقحوان والفل فبدت الرابية كبساط أخضر زادته زرقة السماء وصفاؤها جمالا ورونقا . ها هي العصافير تحط وتطير و كأنها ترقص على وقع لحن الربيع . و لم تتوان الفراشات ذات الألوان الزاهية في المشاركة في هذا العرس البهيج .إذ راحت هي الأخرى تحط وترتفع على إيقاع نوطات حفيف الأشجار . لحظتها أدرك سمير أنه ابتعد عن موكب زملائه المنتشرين كأسراب النوارس على ضفاف النهر . يقطفون الأزهار ويجمعون الفطر.
عاد الأنين من جديد يمزق سمفونية الربيع . فعاد سمير يرهف السمع باحثا عن مصدر الصوت . و قد صاحبت خطواته الصغيرة خشخشة عذبة توافق وقع قدميه على الحشائش الممتدة أمامه .و كان بين الفينة والأخرى يرهف الخطو حتى يحسن السّمع. و قد تعلقت عيناه المشرعتان على لون بنيّ صاف بشجرة عظيمة .بدت الشجرة العظيمة كامرأة حسناء ترفل في ثوب أخضر .قد تربعت على قمة هضبة و مدّت فروعها شرقا و غربا . حتى يُخيل إلى كل من يراها أنّها ملكة تجلس على عرشها . فخضعت لها الربوة في سكينة تشبه سكينة ليلة مقمرة .
راح الفتى يقلب بصره فيها و يتابع باهتمام بالغ طولها الممتد إلى حدود السماء. وممّا زاده دهشة أنّ صوت الأنين ما يلبث يرتفع كلما تقدم نحوها . التف سمير حول الشجرة يمينا وشمالا وحين أتعبه البحث جثا على ركبتيه فوق الحشائش الخضراء محاولا حلّ اللّغز .و إذ بعينيه الصغيرتين تقعان على موطىء جرح في جذع الشجرة .يعلوه انتفاخ . يبدو أنّه يحتقن مادة لزجة . تُسكب في شكل دمع تماما كما يسكب الجفن دمع العين .
اقترب سمير من موطىء الجرح وراح يتحسسه بأطراف أصابعه . لحظتها وفيما يشبه الخيال اهتزت الشجرة العظيمة و قالت بصوت أجش :
- أجئت لتجرحني يا سمير ؟
عقدت الدهشة لسان الفتى فلم ينبس بحرف . و جحظت عيناه لما يسمع ويرى ..
أعادت الشجرة سؤالها لكن بصوت حنون وهادىء : لا تخف يا سمير .أنا لن أوذيك لأني لم أوذ أحدا في حياتي . لكن أجبني اجئت لتجرحني ؟
لم يمنع سمير نفسه من أن يفكر بصوت عال و هو يخطو بخطوات سريعة إلى الخلف حين قال : من المتحدث ..؟
ردّت الشجرة بصوت أكثر هدوءا : لا تخف أنا الشجرة التي أمامك .
اندفعت أسئلة كثيرة في ذهن الفتى لكنه لم يقو على لفظها . ظلّ فقط أسير الدهشة . و حين أدركت الشجرة ما يعانيه الفتى سارعت إلى طمأنته قائلة :
أقدم لك نفسي يا سمير . أنا الشجرة العظيمة و هذا موطني منذ أن فتحت عيني على الحياة . لم أفكر يوما في ترك موطني ولا في هجره.أطلّ من برجي هذا على أهلي و أحبتي . و أتواصل مع افراد عائلتي من الأشجار عبر خطيْ الرياح والأمطار .أوزع حبي على كل من حولي من زرع وزهر و إنسان وحيوان .
ردّ سمير وقد سارت في نفسه بعض الطمأنينة : أنا سمير ..تلميذ في الصّف الرابع من المدرسة الابتدائية . جئت صحبة زملائي في القسم وتحت إشراف معلمي. ثمّ التفت إلى حيث زملائه و أضاف : أنظري إنهم هناك يستمتعون بالطبيعة و يجمعون الفطر ثمّ كمن استرجع شيئا ضائعا :
- لكن سيدتي اخبريني لم كنت قبل قليل تئنين ؟ وممّ تشكين ؟
طأطأت الشجرة رأسها فانحنت بعض فروعها الكثيفة و قالت بصوت لا يخلو من نبرة الأسى و الحزن : قبل أن أجيبك يا صغيري على سؤالك من حقك عليّ أن أعرفك أكثر بنفسي : أنا الشجرة صديقة الإنسان أظلّه بالظلّ ساعة الحرّ والقرّ و أطعمه من ثمري في الخريف و الصيف .أعمل مع الرياح على جلب السّحب التي تسقي الأرض بالماء .فضلا على أنني أمدّ المرء بالأكسجين و أخلصه من عدوه ثاني أكسيد الكاربون . ثمّ سكتت لحظة وعادت وأضافت : هذه بعض مزاياي فهل تعرف أنت شيئا عن مثالبي ؟.
ردّ سمير بكل ثقة وقد بدا عليه أنّه اطمئن للحديث فقال : أعلم أيتها السيدة الفاضلة أنّ لك مزايا لكن لم أسمع قط عن مثالبك .
انبسطت أسارير الشجرة لما سمعته . فهزت أغصانها مما ولد هبة نسيم داعبت وجه الصباح الهادىء. وقالت : رغم ما أقدمه من خدمات للإنسان إلاّ أنّ بعض الناس يقابلون الإحسان بالإساءة .
ردّ سمير متعجبا : كيف ذلك ؟
أخذت الشجرة نفسا عميقا ثمّ قالت : اجلس يا صغيري بالقرب مني . و سأقص عليك قصتي واحكم بما يمليه عليك الحق والعدل .
جلس سمير إلى جانب الشجرة التي قالت : أنا يا صغيري كنت أعيش مطمئنة على أرضي هذه .و إن وصلتني رسائل من أبناء عمومتي يشكون فيها من ظلم البشر. و ذلك لأن رجال السياسة لم تنعتق مخططاتهم من الكيد لنا . فمرّة ضمن سياسة الأرض المحروقة و مرّة ضمن مشاريع التمدن والعمارة ..ناهيك عن استهتار الإنسان البسيط بحقنا في الحياة حين يرمي ببقايا سجائره ومخلفات أطعمته في أراضينا .
- أفهم هذا يا سيدتي لكن ما لم أفهمه كيف طالك ظلم الإنسان و أنت بمنأى عن جبروته ؟ تنعمين بالماء والشمس على هذه الربوة . وما هذا الاخضرارإلاّ أمارة على صحتك وعلامة على قوة عرشك.
ردّت الشجرة بصوت ضعيف ينم على حرقة : كان هذا قبل أسبوع .ثمّ ماذا تقصد بقولك بمنأى عن جبروته ؟
حرّك سمير رأسه قليلا إلى اليمين ثمّ رفع عينيه بثقة نحو الشجرة و أجاب : يا أيتها السيدة الفاضلة أعلم أنّكم أنتم معشر الأشجار تعانون مثلما يعاني الكثير من ضعفاء البشر من جبروت وتسلط الأقوياء منّا ! فقد أنهكتكم الحروب مثلما أنهكت الإنسان . فضلا على أنكم ضحايا افرازات المصانع للغازات السامة. فأنتم ضحايا التجارب النووية ..كل ذلك أنا على علم به . لكن لا أخفي عليك أجهل مصدر معاناتك .!
ردّت الشجرة و قد حاولت أن تكفكف الدمع المنسكب من لحائها إلاّ أنّها عجزت فقالت في حزن : كلّ ما ذكرته يا صغيري صحيح . فقد عانت الأشجار ممّا ذكرت ومما لم تذكر . ثمّ تنهدت وهزّت أغصانها قليلا إلى الوراء وقالت:
- أنا قبل أسبوع لم أكن أشكو من علّة . أنعم في مملكتي هذه بالشمس والماء إلى أن جاء ذلك اليوم الذي جاء فيه فوج مدرسي للاستمتاع بالربيع على هذه الربوة . فإذا بي أفاجأ بأحدهم يحمل قطعة زجاج التقطها من بين الحشائش وراح يهاجمني بها . حتى مزق لحائي من عدة مواطن .
قاطعها سمير بلهفة : و لمَ لمْ تدافعي عن نفسك ؟ لقد تعلمنا أن الطبيعة ذكية و تستطيع أن تحمي نفسها .
ردّت الشجرة في أسى : كيف ذلك ؟ ثمّ أخفضت رأسها و أضافت :
- يا سمير أنا مثلك تماما مخلوق ضعيف لم أستطع أن أقاوم هذا الشرّ و إن كنت قد سجلت نجاحي في مواطن أخرى .
سألها سمير و قد بدا عليه التأثر والتعاطف : ثمّ ماذا حدث ؟
قالت الشجرة : من يومها أصبح النسغ وهو مادة غذائي كما تعلم والذي تقوم الجذور ببنائه انطلاقا من المواد الموجودة في التربة و من الماء والذي يسمى النسغ الناقص ترسله الجذور إلى الأوراق حيث يتم التركيب الضوئي ويصبح نسغا كاملا . يمر بعدها عبر الأوعية اللحائية ليغذي كل الشجرة . لكن النسغ أصبح إذا ما وصل إلى موضع القطع يتجمع وينزل في شكل دمع . و هكذا فإني لم أتغذ منذ ذلك اليوم . و ها قد دبّ فيّ الضعف واستولى عليّ الوهن . وبعد مدة ستجدني جثة هامدة .
انتفض سمير من مكانه وقال غاضبا : لعن الله الجهل هو من جعل الطفل يفعل هذا .
ردّت الشجرة في حزن : لقد حدث الذي حدث . لكن عدني يا سمير أنّك ستحمي أخواتي من بعدي .
حينها تقدم سمير من الشجرة العظيمة ووضع بلطف كفه الصّغير عليها و قال :
- أقسم بالله العظيم سأكون صديق الشجرة من اليوم . وسأحميك حيثما كنت .
اهتزت الشجرة هزا خفيفا اضطربت له الربوة . فتفطن سمير إلى فوجه . نهض واستدعى معلمه وزملاءه . وبعد أن سمعوا قصة الشجرة العظيمة أقسموا أن يكونوا أصدقاء للطبيعة .
ومن يومها أسست إدارة المدرسة جمعية تحت إسم " أصدقاء الطبيعة " يرأسها سمير تحت إشراف معلم القسم . و كان الطفل الصغير شعلة من النشاط في كتابة شعارات تدعو إلى احترام حياة الطبيعة . كما بُرمجت خرجات إلى المصانع لتوعية أصحابها بمخاطر التّخلص من نفاياتها في الانهار والوديان والغابات . كما عُلقت لافتات عند مداخل الغابات وفضاءات الاستجمام تدعو إلى احترام الطبيعة و المحافظة على البيئة . وقد التف ألاف التلاميذ حول هذا المشروع وكلهم حزم على الدفاع عن الطبيعة .
كان المكان مترامي الأطراف. ينخفض تارة و يرتفع أخرى . و قد اكتسى بلون أخضر زاه . تفتحت في جنباته أزهار الأقحوان والفل فبدت الرابية كبساط أخضر زادته زرقة السماء وصفاؤها جمالا ورونقا . ها هي العصافير تحط وتطير و كأنها ترقص على وقع لحن الربيع . و لم تتوان الفراشات ذات الألوان الزاهية في المشاركة في هذا العرس البهيج .إذ راحت هي الأخرى تحط وترتفع على إيقاع نوطات حفيف الأشجار . لحظتها أدرك سمير أنه ابتعد عن موكب زملائه المنتشرين كأسراب النوارس على ضفاف النهر . يقطفون الأزهار ويجمعون الفطر.
عاد الأنين من جديد يمزق سمفونية الربيع . فعاد سمير يرهف السمع باحثا عن مصدر الصوت . و قد صاحبت خطواته الصغيرة خشخشة عذبة توافق وقع قدميه على الحشائش الممتدة أمامه .و كان بين الفينة والأخرى يرهف الخطو حتى يحسن السّمع. و قد تعلقت عيناه المشرعتان على لون بنيّ صاف بشجرة عظيمة .بدت الشجرة العظيمة كامرأة حسناء ترفل في ثوب أخضر .قد تربعت على قمة هضبة و مدّت فروعها شرقا و غربا . حتى يُخيل إلى كل من يراها أنّها ملكة تجلس على عرشها . فخضعت لها الربوة في سكينة تشبه سكينة ليلة مقمرة .
راح الفتى يقلب بصره فيها و يتابع باهتمام بالغ طولها الممتد إلى حدود السماء. وممّا زاده دهشة أنّ صوت الأنين ما يلبث يرتفع كلما تقدم نحوها . التف سمير حول الشجرة يمينا وشمالا وحين أتعبه البحث جثا على ركبتيه فوق الحشائش الخضراء محاولا حلّ اللّغز .و إذ بعينيه الصغيرتين تقعان على موطىء جرح في جذع الشجرة .يعلوه انتفاخ . يبدو أنّه يحتقن مادة لزجة . تُسكب في شكل دمع تماما كما يسكب الجفن دمع العين .
اقترب سمير من موطىء الجرح وراح يتحسسه بأطراف أصابعه . لحظتها وفيما يشبه الخيال اهتزت الشجرة العظيمة و قالت بصوت أجش :
- أجئت لتجرحني يا سمير ؟
عقدت الدهشة لسان الفتى فلم ينبس بحرف . و جحظت عيناه لما يسمع ويرى ..
أعادت الشجرة سؤالها لكن بصوت حنون وهادىء : لا تخف يا سمير .أنا لن أوذيك لأني لم أوذ أحدا في حياتي . لكن أجبني اجئت لتجرحني ؟
لم يمنع سمير نفسه من أن يفكر بصوت عال و هو يخطو بخطوات سريعة إلى الخلف حين قال : من المتحدث ..؟
ردّت الشجرة بصوت أكثر هدوءا : لا تخف أنا الشجرة التي أمامك .
اندفعت أسئلة كثيرة في ذهن الفتى لكنه لم يقو على لفظها . ظلّ فقط أسير الدهشة . و حين أدركت الشجرة ما يعانيه الفتى سارعت إلى طمأنته قائلة :
أقدم لك نفسي يا سمير . أنا الشجرة العظيمة و هذا موطني منذ أن فتحت عيني على الحياة . لم أفكر يوما في ترك موطني ولا في هجره.أطلّ من برجي هذا على أهلي و أحبتي . و أتواصل مع افراد عائلتي من الأشجار عبر خطيْ الرياح والأمطار .أوزع حبي على كل من حولي من زرع وزهر و إنسان وحيوان .
ردّ سمير وقد سارت في نفسه بعض الطمأنينة : أنا سمير ..تلميذ في الصّف الرابع من المدرسة الابتدائية . جئت صحبة زملائي في القسم وتحت إشراف معلمي. ثمّ التفت إلى حيث زملائه و أضاف : أنظري إنهم هناك يستمتعون بالطبيعة و يجمعون الفطر ثمّ كمن استرجع شيئا ضائعا :
- لكن سيدتي اخبريني لم كنت قبل قليل تئنين ؟ وممّ تشكين ؟
طأطأت الشجرة رأسها فانحنت بعض فروعها الكثيفة و قالت بصوت لا يخلو من نبرة الأسى و الحزن : قبل أن أجيبك يا صغيري على سؤالك من حقك عليّ أن أعرفك أكثر بنفسي : أنا الشجرة صديقة الإنسان أظلّه بالظلّ ساعة الحرّ والقرّ و أطعمه من ثمري في الخريف و الصيف .أعمل مع الرياح على جلب السّحب التي تسقي الأرض بالماء .فضلا على أنني أمدّ المرء بالأكسجين و أخلصه من عدوه ثاني أكسيد الكاربون . ثمّ سكتت لحظة وعادت وأضافت : هذه بعض مزاياي فهل تعرف أنت شيئا عن مثالبي ؟.
ردّ سمير بكل ثقة وقد بدا عليه أنّه اطمئن للحديث فقال : أعلم أيتها السيدة الفاضلة أنّ لك مزايا لكن لم أسمع قط عن مثالبك .
انبسطت أسارير الشجرة لما سمعته . فهزت أغصانها مما ولد هبة نسيم داعبت وجه الصباح الهادىء. وقالت : رغم ما أقدمه من خدمات للإنسان إلاّ أنّ بعض الناس يقابلون الإحسان بالإساءة .
ردّ سمير متعجبا : كيف ذلك ؟
أخذت الشجرة نفسا عميقا ثمّ قالت : اجلس يا صغيري بالقرب مني . و سأقص عليك قصتي واحكم بما يمليه عليك الحق والعدل .
جلس سمير إلى جانب الشجرة التي قالت : أنا يا صغيري كنت أعيش مطمئنة على أرضي هذه .و إن وصلتني رسائل من أبناء عمومتي يشكون فيها من ظلم البشر. و ذلك لأن رجال السياسة لم تنعتق مخططاتهم من الكيد لنا . فمرّة ضمن سياسة الأرض المحروقة و مرّة ضمن مشاريع التمدن والعمارة ..ناهيك عن استهتار الإنسان البسيط بحقنا في الحياة حين يرمي ببقايا سجائره ومخلفات أطعمته في أراضينا .
- أفهم هذا يا سيدتي لكن ما لم أفهمه كيف طالك ظلم الإنسان و أنت بمنأى عن جبروته ؟ تنعمين بالماء والشمس على هذه الربوة . وما هذا الاخضرارإلاّ أمارة على صحتك وعلامة على قوة عرشك.
ردّت الشجرة بصوت ضعيف ينم على حرقة : كان هذا قبل أسبوع .ثمّ ماذا تقصد بقولك بمنأى عن جبروته ؟
حرّك سمير رأسه قليلا إلى اليمين ثمّ رفع عينيه بثقة نحو الشجرة و أجاب : يا أيتها السيدة الفاضلة أعلم أنّكم أنتم معشر الأشجار تعانون مثلما يعاني الكثير من ضعفاء البشر من جبروت وتسلط الأقوياء منّا ! فقد أنهكتكم الحروب مثلما أنهكت الإنسان . فضلا على أنكم ضحايا افرازات المصانع للغازات السامة. فأنتم ضحايا التجارب النووية ..كل ذلك أنا على علم به . لكن لا أخفي عليك أجهل مصدر معاناتك .!
ردّت الشجرة و قد حاولت أن تكفكف الدمع المنسكب من لحائها إلاّ أنّها عجزت فقالت في حزن : كلّ ما ذكرته يا صغيري صحيح . فقد عانت الأشجار ممّا ذكرت ومما لم تذكر . ثمّ تنهدت وهزّت أغصانها قليلا إلى الوراء وقالت:
- أنا قبل أسبوع لم أكن أشكو من علّة . أنعم في مملكتي هذه بالشمس والماء إلى أن جاء ذلك اليوم الذي جاء فيه فوج مدرسي للاستمتاع بالربيع على هذه الربوة . فإذا بي أفاجأ بأحدهم يحمل قطعة زجاج التقطها من بين الحشائش وراح يهاجمني بها . حتى مزق لحائي من عدة مواطن .
قاطعها سمير بلهفة : و لمَ لمْ تدافعي عن نفسك ؟ لقد تعلمنا أن الطبيعة ذكية و تستطيع أن تحمي نفسها .
ردّت الشجرة في أسى : كيف ذلك ؟ ثمّ أخفضت رأسها و أضافت :
- يا سمير أنا مثلك تماما مخلوق ضعيف لم أستطع أن أقاوم هذا الشرّ و إن كنت قد سجلت نجاحي في مواطن أخرى .
سألها سمير و قد بدا عليه التأثر والتعاطف : ثمّ ماذا حدث ؟
قالت الشجرة : من يومها أصبح النسغ وهو مادة غذائي كما تعلم والذي تقوم الجذور ببنائه انطلاقا من المواد الموجودة في التربة و من الماء والذي يسمى النسغ الناقص ترسله الجذور إلى الأوراق حيث يتم التركيب الضوئي ويصبح نسغا كاملا . يمر بعدها عبر الأوعية اللحائية ليغذي كل الشجرة . لكن النسغ أصبح إذا ما وصل إلى موضع القطع يتجمع وينزل في شكل دمع . و هكذا فإني لم أتغذ منذ ذلك اليوم . و ها قد دبّ فيّ الضعف واستولى عليّ الوهن . وبعد مدة ستجدني جثة هامدة .
انتفض سمير من مكانه وقال غاضبا : لعن الله الجهل هو من جعل الطفل يفعل هذا .
ردّت الشجرة في حزن : لقد حدث الذي حدث . لكن عدني يا سمير أنّك ستحمي أخواتي من بعدي .
حينها تقدم سمير من الشجرة العظيمة ووضع بلطف كفه الصّغير عليها و قال :
- أقسم بالله العظيم سأكون صديق الشجرة من اليوم . وسأحميك حيثما كنت .
اهتزت الشجرة هزا خفيفا اضطربت له الربوة . فتفطن سمير إلى فوجه . نهض واستدعى معلمه وزملاءه . وبعد أن سمعوا قصة الشجرة العظيمة أقسموا أن يكونوا أصدقاء للطبيعة .
ومن يومها أسست إدارة المدرسة جمعية تحت إسم " أصدقاء الطبيعة " يرأسها سمير تحت إشراف معلم القسم . و كان الطفل الصغير شعلة من النشاط في كتابة شعارات تدعو إلى احترام حياة الطبيعة . كما بُرمجت خرجات إلى المصانع لتوعية أصحابها بمخاطر التّخلص من نفاياتها في الانهار والوديان والغابات . كما عُلقت لافتات عند مداخل الغابات وفضاءات الاستجمام تدعو إلى احترام الطبيعة و المحافظة على البيئة . وقد التف ألاف التلاميذ حول هذا المشروع وكلهم حزم على الدفاع عن الطبيعة .
شفيقة لوصيف- عضو جديد
- عدد المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 24/12/2015
رد: سمير و الشجرة العظيمة
أستاذة شفيقة ...
أسجل ‘عجابي أولا بهذه اللغة الرصينة المحكمة
وأسجل إعجابي بهذه القصة الهادفة لشيء نبيل
جميل ما خطته يداك
وجميل هذا التشخيص الذي بدا واضحا في النص
دمتِ مبدعة متألقة
وابنتظار جديدك بشوق
أسجل ‘عجابي أولا بهذه اللغة الرصينة المحكمة
وأسجل إعجابي بهذه القصة الهادفة لشيء نبيل
جميل ما خطته يداك
وجميل هذا التشخيص الذي بدا واضحا في النص
دمتِ مبدعة متألقة
وابنتظار جديدك بشوق
نسيم الطبيعة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 665
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
الموقع : فلسطين
رد: سمير و الشجرة العظيمة
الأستاذ الفاضل : نسيم الطبيعة
أدفأني جدّا مرورك بنصي سيدي
وتشجيعك دوما لقلمي .
كل الودّ و الاحترام لكم سيدي
أدفأني جدّا مرورك بنصي سيدي
وتشجيعك دوما لقلمي .
كل الودّ و الاحترام لكم سيدي
شفيقة لوصيف- عضو جديد
- عدد المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 24/12/2015
رد: سمير و الشجرة العظيمة
شدتني قصتك يا شفيقة
لغتك قوية .. رصينة .. متمكنة
أيضاً أسلوبك القصصي رائع جدا ويشد القارىء نحو النهاية بشكل جذاب
أعجبت جداً بما قرأت
رائعة يا شفيقة والقصة معنى ومبنى متميزة
شكرا لك الأديبة والقاصة الرائعة @شفيقة لوصيف
#سمير_الشجرة_عصفورة_الشجن
لغتك قوية .. رصينة .. متمكنة
أيضاً أسلوبك القصصي رائع جدا ويشد القارىء نحو النهاية بشكل جذاب
أعجبت جداً بما قرأت
رائعة يا شفيقة والقصة معنى ومبنى متميزة
شكرا لك الأديبة والقاصة الرائعة @شفيقة لوصيف
#سمير_الشجرة_عصفورة_الشجن
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: سمير و الشجرة العظيمة
الأستاذة الفاضلة : ميساء البشيتي
كنت أنتظر في صمت رأيك في نصي هذا
خاصة و أنّه يخص عالم الطفولة . و قد أسعدني جدّا
أنّه راقك و أمتعك .
ممتنة لتشجيعك دوما .
كل الاحترام والتقدير لشخصكم الكريم .
كنت أنتظر في صمت رأيك في نصي هذا
خاصة و أنّه يخص عالم الطفولة . و قد أسعدني جدّا
أنّه راقك و أمتعك .
ممتنة لتشجيعك دوما .
كل الاحترام والتقدير لشخصكم الكريم .
شفيقة لوصيف- عضو جديد
- عدد المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 24/12/2015
رد: سمير و الشجرة العظيمة
أحب هذا النوع من القصص إنها أدب الأطفال وأتمنى أن يزدهر هذا النوع من الأدب
الأديبة العزيزة شفيقة لوصيف سعدت بهذه القصة الرائعة
شكرا لك ودمت للإبداع
الأديبة العزيزة شفيقة لوصيف سعدت بهذه القصة الرائعة
شكرا لك ودمت للإبداع
سهى عبد الوهاب ضراغمة- عضو جديد
- عدد المساهمات : 17
تاريخ التسجيل : 07/01/2015
رد: سمير و الشجرة العظيمة
العزيزة : سهى عبد الوهاب ضراغمة
سرني جدا رأيك في النص .
وحتما هذا من شأنه أن يزيدني رغبة وحبا لهذا
النوع من الكتابة .
دمت عزيزتي بكل المحبة الممكنة .
ألف شكر .
سرني جدا رأيك في النص .
وحتما هذا من شأنه أن يزيدني رغبة وحبا لهذا
النوع من الكتابة .
دمت عزيزتي بكل المحبة الممكنة .
ألف شكر .
شفيقة لوصيف- عضو جديد
- عدد المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 24/12/2015
رد: سمير و الشجرة العظيمة
قصة طويلة لكنها شيقة وقلم متمكن جدا
أحببت لغتك شفيقة فهي رائعة
واصلي التقدم
أحببت لغتك شفيقة فهي رائعة
واصلي التقدم
هند درويش- عضو نشيط
- عدد المساهمات : 178
تاريخ التسجيل : 19/01/2010
رد: سمير و الشجرة العظيمة
الأستاذة الفاضلة : هند درويش
أسعدني جدّا رأيك في نصي
واعجابك بلغته .
حتما هذا سيدفعني لأمضي قدما على
هذا الدّرب .
كل المحبة والاحترام مني لك .
أسعدني جدّا رأيك في نصي
واعجابك بلغته .
حتما هذا سيدفعني لأمضي قدما على
هذا الدّرب .
كل المحبة والاحترام مني لك .
شفيقة لوصيف- عضو جديد
- عدد المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 24/12/2015
رد: سمير و الشجرة العظيمة
قصة رائعة ومعانيها نبيلة وقيمة
أشكرك الأستاذة القاصة شفيقة لوصيف على هذا القص الهادف والرائع
وبارك الله فيك أختي الحبيبة
أشكرك الأستاذة القاصة شفيقة لوصيف على هذا القص الهادف والرائع
وبارك الله فيك أختي الحبيبة
فاطمة شكري- عضو متميز
- الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 779
تاريخ الميلاد : 01/12/1979
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
العمر : 44
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» نصف قرش بقلم سمير الجندي
» سنوات القهر .. سمير الجندي .
» إسرائيل تغتال سمير القنطار
» خبر عاجل... قصة قصيرة بقلم: سمير الجندي
» سنوات القهر .. سمير الجندي .
» إسرائيل تغتال سمير القنطار
» خبر عاجل... قصة قصيرة بقلم: سمير الجندي
صفحة 1 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال