بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
التاريخ السياسي لوكالة المخابرات المركزية الأمـريكية/الدكتور عـبـد الـقـادرحـسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
التاريخ السياسي لوكالة المخابرات المركزية الأمـريكية/الدكتور عـبـد الـقـادرحـسين ياسين
التاريخ السياسي لوكالة المخابرات المركزية الأمـريكية/الدكتور عـبـد الـقـادرحـسين ياسين
“الأشـخاص المهـذبـون لا يـقـرأون رسائل الآخـرين“
هـنري سـتـيـمـسون
يستمد هـذا الكتاب أهـميته من تقـديمه قـراءة معـمـقة في أسرار التاريخ السياسي لوكالة المخابرات المركزية الأمـريكية وخباياه، منذ انطلاقها في أيلول عـام 1947، وحتى اليوم، حيث يقوم المؤلف ، فرانك دانينوس بإلقاء الضوء على حقائق وأسرار هذه الوكالة التي وصفت بأنها “الجهاز السري الأكثر خطورة وأهمية” في التاريخ البشري ، بتحليل دور الوكالة في العـديد من العـمليات السرية والانقـلابات العسكرية والمؤامرات والضربات من كل الأشكال والألوان على امتداد العالم ، وبرصد ملامح تطورها ودورها السياسي وعلاقاتها بالبيت الأبيض في مختلف المراحل.
“الأشخاص المهذبون لا يقرأون رسائل الآخرين”، هذه العـبـارة التي قالها ذات يوم هـنري ستيمسون ، وزير للخارجية الأمـريكية عام 1929 ، تـُلخـِّص جـيداً الإحساس الغالب لدى الأمريكيين حيال عالم الجاسوسية لفترة ما قـبل الحرب العالمية الثانية. وبهذه العبارة أيضا يستهل مؤلف هذا الكتاب كتابه حول “التاريخ السياسي لوكالة الـمـخـابرات المركزية الأمريكية”. وكان ستيمسون قد قال عـبـارتـه هـذه عـندما عرف أن “خلية” في وزارته، كانت معروفة باسم “الغرفة السوداء”، قد راقبت مراسلات العديد من الـدول وخاصة اليابان.
وكان مـعـروفـاً عـن ستيمسـون أنه حريص على أن يسود “السلوك الأخلاقي” في القضايا العامة، لذلك رأى المسؤولون في وزارته أنه من الأفضل عـدم إطلاعه على وجود “الغرفة السوداء” في البداية والعمل على ترويضه تدريجياً لقبول الأمر الـواقـع. وهكذا، بعد أسابيع، وجد على مكتبه مذكرة تحتوي على مضمون المراسلات اليابانية التي جرى التقاطها. وينقـل عـنه المؤلف أنه كتب في مذكراته لاحقا قوله: “لم أستطع التصديق” قبل أن يصف تلك الممارسة بأنها “من أكثر الممارسات لاأخلاقية”.
أصـدر ستيمسون أوامره بإغلاق “الغرفة السوداء” فورا. لكن أعمال التجسس التي قامت بها والتي كان لها دور مهم في توجيه الدبلوماسية الأمريكية آنذاك أصبحت على كل شفة ولسان عـندما نشر هربرت ياردلي ، مؤسس الوكالة وأول مـدير لـهـا ، كتابا بـعـنوان “الغرفة السوداء الأمريكية”. كان قرار ستيمسون بإلغاء الغرفة السوداء قد وجد التأييد والدعم من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك هيربرت هوفـر، إذ كان الاثنان يؤمنان، ومعهما أغلبية الرأي العام الأمريكي، بأن المـخـابرات “عمل مشين” وليس جديراً بـ “القيم الأمريكية.“
ومثل هذه الرؤية تـُفسّر، إلى حد ما، السبب في عـدم امتلاك الولايات المتحدة لجهاز مـخـابـرات حديث ودائم وجيد التجهيز والإمكانيات إلا في فـترة متأخرة جدا بالمـقـارنـة مع دول مثل فرنسا وبريطانيا. وبعـد سلسلة طويلة من النقاشات والنزاعات الداخلية، تـقـرر في النهاية تأسيس وكالـة المـخـابرات المركزية الأمريكية في أيلول عـام 1947.
في نيسان عـام 1947 تلقّى الرئيس الأمريكي روزفلت مشروع إنشاء جهاز استخباراتي أعـدّه وايلد بيل دونوفان ، المحامي ورجل المهمات السرية، بمساعدة وليام ستيفـنسون، رئيس المـخـابـرات البريطانية ، وايان فـلمنج الذي نال شهرة عالمية فيما بعد عـبر اختراع شخصية جيمس بوند الروائية. وقد جاء في ذلك المشروع أن الجهاز المعـني سيكون “أداة” يستطيع الرئيس، باعتباره القائد الأعلى للجيوش، الحصول بواسطتها على “تقارير كاملة ودقـيقة” حول المعـلومات المتوفـرة عن العـدو، كما يمكن لجهاز الاستخبارات العسكري “الاعتماد عليها”.
هكذا تـمَّ في تـمـوز عـام 1941 تأسيس “مكتب تنسيق المعلومات”، الذي مثّـل في واقع الأمر أول وكالة مـخـابـرات مدنية ومستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ترأس ذلك المكتب وايلد بيل دونوفان، ويـقـول المؤلـف أنَّ “مكتب تنسيق المعلومات” كان بمثابة “الجد الحقـيقي” لوكالة المـخـابرات المركزية الأمريكية.
ولكن بعد ستة أشهر من وجود هذا المكتب حامت الشكوك حول فاعـليته، إذ أن الـ 200 تقرير التي أعـدّها لم تمنع قيام كارثة بيرل هاربور. فـفي صباح السابع من كانون الأول عـام 1941 قامت عـدة غـواصات و 400 طائرة يابانية بهجوم كبير ضد أكبر قاعـدة أمـريكية في المحيط الهادئ على بعد 150 كيلومترا من هاواي.
كانت الخسائر الأمريكية كبيرة، وكانت كبيرة أيضا صدمة الأمريكيين، إذ كانت تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الأمريكيون لهجوم من بلد أجنبي منذ الحرب البريطانية- الأمريكية عام 1812. ويؤكد المؤلف أن الهجوم على “بيرل هاربور” بقي ماثلا في أذهان الأمريكيين لفترة طويلة لاحقة.
تعرّض “مكتب تنسيق المعلومات” للنقـد الشديد بسبب الفـشل في الكشف عن الهجوم الياباني. وفي حزيران عـام 1942 تغيّر اسم المكتب إلى “مكتب الخدمات الإستراتيجية”؛ وبقي دونوفان على رأسه. وحددت الهيئة الجديدة مركز اهتمامها في الدور الإستراتيجي للاستخبارات والعـمليات الخاصة في الحروب الحديثة.
كان الأمريكيون قد قرروا ، في الواقع ، إقـتـفـاء أثر “النموذج” البريطاني فيما يخص تنظيم عمليات دعاية وحرب نفسية وتخريب في المناطق الخاضعة للاحتلال الألماني ، بـهـدف إضعاف قوة دول “المحور”. وهكذا إنطلق ضباط أمريكيون تابعون لـ “مكتب الخدمات الإستراتيجية” في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. كان المقر الرئيسي في نيويورك، وبلغ عدد العاملين فيه حوالي 000 13 شخص، نصفهم في الخارج.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الرايخ الثالث إنـخـفـضـت النـفـقـات العـسـكرية للولايات المتحدة بنسبة 90 بالمئة. كما تناقص عدد الجنود من 12 مليون إلى مليون ونصف المليون. لكن الموقع الأمريكي تعـزز على المسرح الدولي، بل احتلت الولايات المتحدة مركز صدارة “العالم الحر” في فترة ما بعـد الحرب.
وفي نهاية عام 1945 أعلن الرئيس الأميركي هـاري ترومان استياءه الشديد من “تدفق المعلومات المتناقضة” وغير المنسّقة التي تصل إلى مكتبه. فالعسكريون لا يعـرفون كل ما يجري في وزارة الخارجية والدبلوماسيون لا يملكون كل المعلومات المتوفرة لدى الجيش والقوات البحرية. باختصار توقف المسؤولون في الإدارة عن طرح السؤال عما إذا كان ينبغي تحديث الأجهزة الأمنية وإنما أصبح السؤال هو كيف؟
تحدّث ترومان عن هـيئة جديدة للتنسيق تكون خاضعة لرقابة “سلطة وطنية للاستخبارات” تضم ممثلين عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبحـرية والجيش. وفي كانون الثاني عـام 1946 تـمَّ تأسيس “المجموعة المركزية للاستخبارات” بمرسوم رئاسي. وبواسطة هذه المجموعة تلقّى البيت الأبيض تقارير حول صراع من نوع جديد مع الاتحاد السوفييتي، وهو صراع إيديولوجي وسياسي بين منظومتين تلعب فيه الدعاية دوراً بارزاً في زعـزعة الاستقرار. كان من المسـتـبـعـد قيام نزاع مسلّح في القريب المنظور ، وبـدأت الإسـتـعـدادات لـ “حرب باردة”، حسب التعبير الذي أطلقه الصحفي الأمريكي المـخـضـرة والتر ليبمان عام 1947.
بدأت هذه “الحرب الباردة” عمليا في آذار عـام 1947 عندما طلب الرئيس تـرومان من الكونغرس صرف مبلغ 400 مليون دولار من أجل “تخليص اليونان وتركيا من قبضة النفـوذ السوفـيـيـتي”. واقترح البيت الأبيض على الكونغرس إنشاء جهاز عسكري موحّد تكون مهمته توجيه السياسة الخارجية والعسكرية للولايات المتحدة. وكان البند 102 من المشروع المقـدّم للكونـغـرس ينصّ أيضا على إنشاء “وكالة مركزية للمـخـابرات”.
استمرت الـمـنـاقـشات عـدة أشهر حول الوضع القانوني لوكالة المـخـابرات المركزية الأمريكية ومدى صلاحياتها. وتـم الإتـفـاق عـلى أن تأخـذ الوكالـة الجـديدة أوامرهـا من “مجلس الأمن القومي” وتقدّم لـه تـقـارير حـول نتائج نشاطاتها. ويشـير المـؤلـف إلى أن “الموضوعـية والبحث عن الحقـيـقـة” كانتا أحد القيم التأسيسية لوكالة المـخـابرات المركزية الأميركية! وطلب الكونغرس أن يكون الرئيس الأمريكي هو أيضا رئيس “مجلس الأمن القومي.“
وستكون لهذا القرار نتائجه الكبيرة على الـعـلاقـات بين الوكالة ورئيس الولايات المتحدة؛ ذلك أنها أصبحت مرتبطة مباشرة بالبيت الأبيض وأصبح لمديرها عـلاقة مباشرة مع الرئيس الأمريكي، الأمر الذي عارضه باستمرار العسكريون ووزارة الخارجية الأمريكية.
والرئيس هو الذي يختار مدير الوكالـة شريطة أن يوافق عليه مجلس الشيوخ بعـد ذلك. ويجمع المدير المعيّن بين ثلاث وظائف هي تقديم استشارات للرئيس وإدارة الوكالـة وتنسيق المعلومات التي تقدمها المؤسسات الاستخباراتية الأخرى. وهكذا أصبح للولايات المتحدة منظومة أمنية لا مثيل لها في الخارج. فوكالة المـخـابـرات المركزية هي وكالة مدنية، مستقلة، تقوم بـ “تنسيق” المعلومات لكنها “لا تسيطر عليها”… وليس لمديرها أية سلطة (من حيث الميزانية، أو من حيث الإدارة) على المؤسسات الاستخباراتية الأخرى. وبشكل عام تتمتع الوكالة بموقع الحكم وليس موقع المنافس حيال بقية المؤسسات.
وفي تـمـوز عـام 1947 أقرّ الكونـغـرس القانون الخاص بالأمن القومي. وقام الرئيس ترومان بالتصديق عليه. ودخل ذلك القانون حيّز التنفيذ في 18 أيلول عـام 1947 . ومن الجـدير بالمـلاحـظـة أنَّ تعبير “التجسس” Espionage لا ذكر له في ميثاق وكالة المـخـابرات المركزية كله، بل جرى تحديد أربع مهمات أساسية لها هي:
1 ـ تقديم جميع المعلومات المتعلقة بأمن الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن القومي.
2 ـ تقديم النصائح للمجلس بخصوص تنسيق النشاطات الاستخباراتية.
3 ـ تقويم هذه النشاطات.
4 ـ قيادة المهمات الأخرى والمسؤوليات المتعـلـقـة بالاستخبارات وبالأمن القومي التي قد يطلبها مجلس الأمن القومي منها.
هذه الصيغة مبهمة، لكنها مبهمة عن قصد، كما يشير المؤلف. وتثبت واقع أن الولايات المتحدة نادرا ما تقوم بتعريف النشاطات التـجـسسية، فالمهم هو ما تقوم به الأجهزة المعنية.
شهادات متناقـضة
والسؤال الذي يـطـرح نـفـسـه هـو: هل تعبير “المهمات الأخرى والمسؤوليات” يشير إلى الاستغلال السري لمجرى الأحداث بواسطة عمليات سياسية أو شبه عسكرية أو بواسطة الحرب النفسية؟ الشهادات متناقضة حول هذا الموضوع، كما يشير المؤلف. ويقول أنه بفضل وكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة تستطيع الولايات المتحدة أن “تحافظ على هامش حريّة عمل” حيال التزاماتها الدولية. لكن قد يكون لدى البيت الأبيض أهدافا محددة أكثر من خلال هذه “الصيغة المطاطة”.
وتؤكـد الوقائع على أنه عُهدت لـوكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة بمهمة القيام بعمليات سرية، “إذا لم يكن هناك جهاز آخر للقيام بذلك” ولكن أيضا لأسباب عملية. فعلى سبيل المـثـال لا الحـصـر، إذا جرى ضبط عسكريين أمريكيين وهم يقومون بعملية تخريب في بـلـد مـا فإنه يمكن للبلد المستهدف اعتبار ذلك كعمل حربي ضده.كـمـا أنَّ الكونجرس “يقدم أموالا سرية” للوكالة والرئيس الأمريكي “يستخدمها كما يشاء” دون أن يُحدد كيفية استخدامها. كذلك يستطيع عملاء المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة السفر والعمل في الخارج تحت غطاء أسماء مستعارة.
لذلك ظلّ صـانـعـو القرار السياسي الأمريكي “مأخوذين بسحر هذه الأعمال السرية” التي يميلون إلى المبالغة بفعاليتها. ومنذ بيرل هاربور لجأ الرؤساء الأمريكيون، دون إستـثـناء، في لحظة ما من فترات حكم إدارتهم الى الوكالـة للقـيـام بـ “عـمـليـات قـذرة”.
بدايات صعـبة
خرجت إيطاليا مدمرة اقتصادياً ومـُشرذمة سياسياً من الحرب العالمية الثانية. وكان الحزب الشيوعي الإيطالي يتأهـب لخوض أول انتخابات بالاقـتراع العام المباشر عرفتها البلاد في ربيع عام 1948. وكانت هناك معلومات عديدة تدل على أنه يتلقى تمويلا سرياً من الاتحاد السوفـييتي. وينسب المؤلف إلى جورج كينان، الذي كان يعمل آنذاك في السفارة الأميركية في موسكو، قوله: “لقد أدركنا خطورة الوضع ، وكنا نعرف جيدا أن الشيوعيين الإيطاليين يستخدمون الأموال الموجودة تحت تصرفهم من أجل السيطرة على العـناصر الأساسية في المجتمع المدني الإيطالي كدور النـشـروالصحف والنقابات وإتـحـادات الطلاب والمنظمات النسائية”. وفي الوقت نفسه كانت تتزايد قوة الأحزاب الشيوعية في دول أوروبا الغربية الأخرى وخاصة في فرنسا.
في مواجهة مثل ذلك الوضع، كان لا بد لـوكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة من الرد. وسرعان ما تبنت عدة طرق كانت تلجأ لها الأجهزة السوفـيـيـتـية أيضا مثل الرشوة وشراء الصحافيين والنقابات والسياسيين الإيطاليين. كما لجأت الوكالة إلى تمويل الأحزاب الإيطالية الأخرى بما في ذلك الحزب الاشتراكي من أجل “مواجهة” الشيوعيين.
قـامت الوكالـة بتـأسيس “وحدة” مكلّفة بالقيام بالعمليات السرّية، بناء على أوامر مجلس الأمن القومي الأمريكي. وسُميت هذه الوحدة بـ “مكتب التنسيق السياسي”. وإذا كان تمويله من الوكالة فإن ليس لمديرها سوى سلطة محدودة عليه. ذلك أنه يتـلـقـى أوامره من وزير الدفاع في زمن الحرب ومن وزير الخارجية في زمن السـلم. وتـُخـفـي هذه العلاقات المتداخلة عمليا المسؤولية الحقيقية للرئيس الأمريكي فيما يخص العمليات السرية.
قام “مكتب التنسيق السياسي” بعدة عمليات سرية في الـعـديد من دول أوروبا الشرقية اعتبارا من عام 1949. وكانت البداية في ألبانيا حيث كان يتم تدريب عناصر شبه عسكرية في جزيرة مالطة قبل إرسالهم إلى بلدهم الأصلي بواسطة السفن ، أو عبر قيامهم بالقفز بمظلات من الطائرات. ثم توالت العمليات في أوكرانيا وبولندة وغيرهما.
في مطلع الخمسينات تزايدت ميزانية وكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة بالترافق مع ارتفاع ميزانية الجيش. كانت الولايات المتحدة قد بدأت إعادة تسليح نفسها. سادت لدى أغلبية الأمريكيين آنذاك فكرة أن حربا كبيرة سوف تندلع بعد فـترة قريبة. كذلك تسارع إيقاع العمليات السرية، ودعت رئاسة مجلس الأمن القومي إلى “زيادة عـدد عـناصر الجهاز السرّي” ، وزيادة عدد العمليات السرية من أجل المساهمة في دحر النفوذ السوفـييتي.
قـفـزة نوعـية
وهكذا تضاعف عدد العاملين في “مكتب التنسيق السياسي” ثلاث مرّات. وفي عام 1952 بـلـغ عـدد العـاملين في المكتـب 2800 شخص بالإضافة إلى أكثر من 3000 متعاقـد للعمل معه في الخارج. وما بين عام 1949 و1952 ازداد عدد “المحطات” العاملة معه في الخارج من 7 إلى 48 محطة، وازدادت ميزانيته في الفترة نفسها من 7,4 مليون دولار إلى 84 مليون دولار.
ووصل الإنفاق على العمليات السرية في عام 1953 حـوالي 400 مليون دولار، أي ما يعادل ثلاثة أرباع ميزانية الوكالة آنذاك؛ الأمر الذي دعا مديرها إلى القول: “لقد وصلنا عمليا إلى اللحظة التي كان من الضروري فيها القرار عمّا إذا كانت الوكالـة سوف تبقى وكالة استخباراتية أو أنها سوف تصبح وزارة الحرب الباردة”.
كمـا عـرف “مكتب الاستخبارات العلمية” التابع للوكالة ازدهارا كبيرا أيضا. وجرى تقسيمه إلى عـدة اختصاصات تشمل المشارب العلمية المختلفة من فيزياء وكيمياء الخ…
وإذا كان العلماء الأمريكيون قد ترددوا في البداية بالتعاون مع الوكـالـة ،فإن العديدين منهم قدّموا خدمات لها فيما بعد، لاسيما في ميادين الحرب الكيميائية والبيولوجـية والإلكترونية.
وفي اللحظة التي كان ترومان يستـعـد فيها لتسليم الإدارة إلى رئيس آخر، كان الكونغرس والصحافة والرأي العام في أمريكا ينظرون إلى الـوكالـة كأداة مهمة بالنسبة للأمن القومي الأمريكي ولحماية المصالح الأمـريكـيـة في العالم.
“الأشـخاص المهـذبـون لا يـقـرأون رسائل الآخـرين“
هـنري سـتـيـمـسون
يستمد هـذا الكتاب أهـميته من تقـديمه قـراءة معـمـقة في أسرار التاريخ السياسي لوكالة المخابرات المركزية الأمـريكية وخباياه، منذ انطلاقها في أيلول عـام 1947، وحتى اليوم، حيث يقوم المؤلف ، فرانك دانينوس بإلقاء الضوء على حقائق وأسرار هذه الوكالة التي وصفت بأنها “الجهاز السري الأكثر خطورة وأهمية” في التاريخ البشري ، بتحليل دور الوكالة في العـديد من العـمليات السرية والانقـلابات العسكرية والمؤامرات والضربات من كل الأشكال والألوان على امتداد العالم ، وبرصد ملامح تطورها ودورها السياسي وعلاقاتها بالبيت الأبيض في مختلف المراحل.
“الأشخاص المهذبون لا يقرأون رسائل الآخرين”، هذه العـبـارة التي قالها ذات يوم هـنري ستيمسون ، وزير للخارجية الأمـريكية عام 1929 ، تـُلخـِّص جـيداً الإحساس الغالب لدى الأمريكيين حيال عالم الجاسوسية لفترة ما قـبل الحرب العالمية الثانية. وبهذه العبارة أيضا يستهل مؤلف هذا الكتاب كتابه حول “التاريخ السياسي لوكالة الـمـخـابرات المركزية الأمريكية”. وكان ستيمسون قد قال عـبـارتـه هـذه عـندما عرف أن “خلية” في وزارته، كانت معروفة باسم “الغرفة السوداء”، قد راقبت مراسلات العديد من الـدول وخاصة اليابان.
وكان مـعـروفـاً عـن ستيمسـون أنه حريص على أن يسود “السلوك الأخلاقي” في القضايا العامة، لذلك رأى المسؤولون في وزارته أنه من الأفضل عـدم إطلاعه على وجود “الغرفة السوداء” في البداية والعمل على ترويضه تدريجياً لقبول الأمر الـواقـع. وهكذا، بعد أسابيع، وجد على مكتبه مذكرة تحتوي على مضمون المراسلات اليابانية التي جرى التقاطها. وينقـل عـنه المؤلف أنه كتب في مذكراته لاحقا قوله: “لم أستطع التصديق” قبل أن يصف تلك الممارسة بأنها “من أكثر الممارسات لاأخلاقية”.
أصـدر ستيمسون أوامره بإغلاق “الغرفة السوداء” فورا. لكن أعمال التجسس التي قامت بها والتي كان لها دور مهم في توجيه الدبلوماسية الأمريكية آنذاك أصبحت على كل شفة ولسان عـندما نشر هربرت ياردلي ، مؤسس الوكالة وأول مـدير لـهـا ، كتابا بـعـنوان “الغرفة السوداء الأمريكية”. كان قرار ستيمسون بإلغاء الغرفة السوداء قد وجد التأييد والدعم من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك هيربرت هوفـر، إذ كان الاثنان يؤمنان، ومعهما أغلبية الرأي العام الأمريكي، بأن المـخـابرات “عمل مشين” وليس جديراً بـ “القيم الأمريكية.“
ومثل هذه الرؤية تـُفسّر، إلى حد ما، السبب في عـدم امتلاك الولايات المتحدة لجهاز مـخـابـرات حديث ودائم وجيد التجهيز والإمكانيات إلا في فـترة متأخرة جدا بالمـقـارنـة مع دول مثل فرنسا وبريطانيا. وبعـد سلسلة طويلة من النقاشات والنزاعات الداخلية، تـقـرر في النهاية تأسيس وكالـة المـخـابرات المركزية الأمريكية في أيلول عـام 1947.
في نيسان عـام 1947 تلقّى الرئيس الأمريكي روزفلت مشروع إنشاء جهاز استخباراتي أعـدّه وايلد بيل دونوفان ، المحامي ورجل المهمات السرية، بمساعدة وليام ستيفـنسون، رئيس المـخـابـرات البريطانية ، وايان فـلمنج الذي نال شهرة عالمية فيما بعد عـبر اختراع شخصية جيمس بوند الروائية. وقد جاء في ذلك المشروع أن الجهاز المعـني سيكون “أداة” يستطيع الرئيس، باعتباره القائد الأعلى للجيوش، الحصول بواسطتها على “تقارير كاملة ودقـيقة” حول المعـلومات المتوفـرة عن العـدو، كما يمكن لجهاز الاستخبارات العسكري “الاعتماد عليها”.
هكذا تـمَّ في تـمـوز عـام 1941 تأسيس “مكتب تنسيق المعلومات”، الذي مثّـل في واقع الأمر أول وكالة مـخـابـرات مدنية ومستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ترأس ذلك المكتب وايلد بيل دونوفان، ويـقـول المؤلـف أنَّ “مكتب تنسيق المعلومات” كان بمثابة “الجد الحقـيقي” لوكالة المـخـابرات المركزية الأمريكية.
ولكن بعد ستة أشهر من وجود هذا المكتب حامت الشكوك حول فاعـليته، إذ أن الـ 200 تقرير التي أعـدّها لم تمنع قيام كارثة بيرل هاربور. فـفي صباح السابع من كانون الأول عـام 1941 قامت عـدة غـواصات و 400 طائرة يابانية بهجوم كبير ضد أكبر قاعـدة أمـريكية في المحيط الهادئ على بعد 150 كيلومترا من هاواي.
كانت الخسائر الأمريكية كبيرة، وكانت كبيرة أيضا صدمة الأمريكيين، إذ كانت تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الأمريكيون لهجوم من بلد أجنبي منذ الحرب البريطانية- الأمريكية عام 1812. ويؤكد المؤلف أن الهجوم على “بيرل هاربور” بقي ماثلا في أذهان الأمريكيين لفترة طويلة لاحقة.
تعرّض “مكتب تنسيق المعلومات” للنقـد الشديد بسبب الفـشل في الكشف عن الهجوم الياباني. وفي حزيران عـام 1942 تغيّر اسم المكتب إلى “مكتب الخدمات الإستراتيجية”؛ وبقي دونوفان على رأسه. وحددت الهيئة الجديدة مركز اهتمامها في الدور الإستراتيجي للاستخبارات والعـمليات الخاصة في الحروب الحديثة.
كان الأمريكيون قد قرروا ، في الواقع ، إقـتـفـاء أثر “النموذج” البريطاني فيما يخص تنظيم عمليات دعاية وحرب نفسية وتخريب في المناطق الخاضعة للاحتلال الألماني ، بـهـدف إضعاف قوة دول “المحور”. وهكذا إنطلق ضباط أمريكيون تابعون لـ “مكتب الخدمات الإستراتيجية” في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. كان المقر الرئيسي في نيويورك، وبلغ عدد العاملين فيه حوالي 000 13 شخص، نصفهم في الخارج.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الرايخ الثالث إنـخـفـضـت النـفـقـات العـسـكرية للولايات المتحدة بنسبة 90 بالمئة. كما تناقص عدد الجنود من 12 مليون إلى مليون ونصف المليون. لكن الموقع الأمريكي تعـزز على المسرح الدولي، بل احتلت الولايات المتحدة مركز صدارة “العالم الحر” في فترة ما بعـد الحرب.
وفي نهاية عام 1945 أعلن الرئيس الأميركي هـاري ترومان استياءه الشديد من “تدفق المعلومات المتناقضة” وغير المنسّقة التي تصل إلى مكتبه. فالعسكريون لا يعـرفون كل ما يجري في وزارة الخارجية والدبلوماسيون لا يملكون كل المعلومات المتوفرة لدى الجيش والقوات البحرية. باختصار توقف المسؤولون في الإدارة عن طرح السؤال عما إذا كان ينبغي تحديث الأجهزة الأمنية وإنما أصبح السؤال هو كيف؟
تحدّث ترومان عن هـيئة جديدة للتنسيق تكون خاضعة لرقابة “سلطة وطنية للاستخبارات” تضم ممثلين عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبحـرية والجيش. وفي كانون الثاني عـام 1946 تـمَّ تأسيس “المجموعة المركزية للاستخبارات” بمرسوم رئاسي. وبواسطة هذه المجموعة تلقّى البيت الأبيض تقارير حول صراع من نوع جديد مع الاتحاد السوفييتي، وهو صراع إيديولوجي وسياسي بين منظومتين تلعب فيه الدعاية دوراً بارزاً في زعـزعة الاستقرار. كان من المسـتـبـعـد قيام نزاع مسلّح في القريب المنظور ، وبـدأت الإسـتـعـدادات لـ “حرب باردة”، حسب التعبير الذي أطلقه الصحفي الأمريكي المـخـضـرة والتر ليبمان عام 1947.
بدأت هذه “الحرب الباردة” عمليا في آذار عـام 1947 عندما طلب الرئيس تـرومان من الكونغرس صرف مبلغ 400 مليون دولار من أجل “تخليص اليونان وتركيا من قبضة النفـوذ السوفـيـيـتي”. واقترح البيت الأبيض على الكونغرس إنشاء جهاز عسكري موحّد تكون مهمته توجيه السياسة الخارجية والعسكرية للولايات المتحدة. وكان البند 102 من المشروع المقـدّم للكونـغـرس ينصّ أيضا على إنشاء “وكالة مركزية للمـخـابرات”.
استمرت الـمـنـاقـشات عـدة أشهر حول الوضع القانوني لوكالة المـخـابرات المركزية الأمريكية ومدى صلاحياتها. وتـم الإتـفـاق عـلى أن تأخـذ الوكالـة الجـديدة أوامرهـا من “مجلس الأمن القومي” وتقدّم لـه تـقـارير حـول نتائج نشاطاتها. ويشـير المـؤلـف إلى أن “الموضوعـية والبحث عن الحقـيـقـة” كانتا أحد القيم التأسيسية لوكالة المـخـابرات المركزية الأميركية! وطلب الكونغرس أن يكون الرئيس الأمريكي هو أيضا رئيس “مجلس الأمن القومي.“
وستكون لهذا القرار نتائجه الكبيرة على الـعـلاقـات بين الوكالة ورئيس الولايات المتحدة؛ ذلك أنها أصبحت مرتبطة مباشرة بالبيت الأبيض وأصبح لمديرها عـلاقة مباشرة مع الرئيس الأمريكي، الأمر الذي عارضه باستمرار العسكريون ووزارة الخارجية الأمريكية.
والرئيس هو الذي يختار مدير الوكالـة شريطة أن يوافق عليه مجلس الشيوخ بعـد ذلك. ويجمع المدير المعيّن بين ثلاث وظائف هي تقديم استشارات للرئيس وإدارة الوكالـة وتنسيق المعلومات التي تقدمها المؤسسات الاستخباراتية الأخرى. وهكذا أصبح للولايات المتحدة منظومة أمنية لا مثيل لها في الخارج. فوكالة المـخـابـرات المركزية هي وكالة مدنية، مستقلة، تقوم بـ “تنسيق” المعلومات لكنها “لا تسيطر عليها”… وليس لمديرها أية سلطة (من حيث الميزانية، أو من حيث الإدارة) على المؤسسات الاستخباراتية الأخرى. وبشكل عام تتمتع الوكالة بموقع الحكم وليس موقع المنافس حيال بقية المؤسسات.
وفي تـمـوز عـام 1947 أقرّ الكونـغـرس القانون الخاص بالأمن القومي. وقام الرئيس ترومان بالتصديق عليه. ودخل ذلك القانون حيّز التنفيذ في 18 أيلول عـام 1947 . ومن الجـدير بالمـلاحـظـة أنَّ تعبير “التجسس” Espionage لا ذكر له في ميثاق وكالة المـخـابرات المركزية كله، بل جرى تحديد أربع مهمات أساسية لها هي:
1 ـ تقديم جميع المعلومات المتعلقة بأمن الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن القومي.
2 ـ تقديم النصائح للمجلس بخصوص تنسيق النشاطات الاستخباراتية.
3 ـ تقويم هذه النشاطات.
4 ـ قيادة المهمات الأخرى والمسؤوليات المتعـلـقـة بالاستخبارات وبالأمن القومي التي قد يطلبها مجلس الأمن القومي منها.
هذه الصيغة مبهمة، لكنها مبهمة عن قصد، كما يشير المؤلف. وتثبت واقع أن الولايات المتحدة نادرا ما تقوم بتعريف النشاطات التـجـسسية، فالمهم هو ما تقوم به الأجهزة المعنية.
شهادات متناقـضة
والسؤال الذي يـطـرح نـفـسـه هـو: هل تعبير “المهمات الأخرى والمسؤوليات” يشير إلى الاستغلال السري لمجرى الأحداث بواسطة عمليات سياسية أو شبه عسكرية أو بواسطة الحرب النفسية؟ الشهادات متناقضة حول هذا الموضوع، كما يشير المؤلف. ويقول أنه بفضل وكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة تستطيع الولايات المتحدة أن “تحافظ على هامش حريّة عمل” حيال التزاماتها الدولية. لكن قد يكون لدى البيت الأبيض أهدافا محددة أكثر من خلال هذه “الصيغة المطاطة”.
وتؤكـد الوقائع على أنه عُهدت لـوكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة بمهمة القيام بعمليات سرية، “إذا لم يكن هناك جهاز آخر للقيام بذلك” ولكن أيضا لأسباب عملية. فعلى سبيل المـثـال لا الحـصـر، إذا جرى ضبط عسكريين أمريكيين وهم يقومون بعملية تخريب في بـلـد مـا فإنه يمكن للبلد المستهدف اعتبار ذلك كعمل حربي ضده.كـمـا أنَّ الكونجرس “يقدم أموالا سرية” للوكالة والرئيس الأمريكي “يستخدمها كما يشاء” دون أن يُحدد كيفية استخدامها. كذلك يستطيع عملاء المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة السفر والعمل في الخارج تحت غطاء أسماء مستعارة.
لذلك ظلّ صـانـعـو القرار السياسي الأمريكي “مأخوذين بسحر هذه الأعمال السرية” التي يميلون إلى المبالغة بفعاليتها. ومنذ بيرل هاربور لجأ الرؤساء الأمريكيون، دون إستـثـناء، في لحظة ما من فترات حكم إدارتهم الى الوكالـة للقـيـام بـ “عـمـليـات قـذرة”.
بدايات صعـبة
خرجت إيطاليا مدمرة اقتصادياً ومـُشرذمة سياسياً من الحرب العالمية الثانية. وكان الحزب الشيوعي الإيطالي يتأهـب لخوض أول انتخابات بالاقـتراع العام المباشر عرفتها البلاد في ربيع عام 1948. وكانت هناك معلومات عديدة تدل على أنه يتلقى تمويلا سرياً من الاتحاد السوفـييتي. وينسب المؤلف إلى جورج كينان، الذي كان يعمل آنذاك في السفارة الأميركية في موسكو، قوله: “لقد أدركنا خطورة الوضع ، وكنا نعرف جيدا أن الشيوعيين الإيطاليين يستخدمون الأموال الموجودة تحت تصرفهم من أجل السيطرة على العـناصر الأساسية في المجتمع المدني الإيطالي كدور النـشـروالصحف والنقابات وإتـحـادات الطلاب والمنظمات النسائية”. وفي الوقت نفسه كانت تتزايد قوة الأحزاب الشيوعية في دول أوروبا الغربية الأخرى وخاصة في فرنسا.
في مواجهة مثل ذلك الوضع، كان لا بد لـوكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة من الرد. وسرعان ما تبنت عدة طرق كانت تلجأ لها الأجهزة السوفـيـيـتـية أيضا مثل الرشوة وشراء الصحافيين والنقابات والسياسيين الإيطاليين. كما لجأت الوكالة إلى تمويل الأحزاب الإيطالية الأخرى بما في ذلك الحزب الاشتراكي من أجل “مواجهة” الشيوعيين.
قـامت الوكالـة بتـأسيس “وحدة” مكلّفة بالقيام بالعمليات السرّية، بناء على أوامر مجلس الأمن القومي الأمريكي. وسُميت هذه الوحدة بـ “مكتب التنسيق السياسي”. وإذا كان تمويله من الوكالة فإن ليس لمديرها سوى سلطة محدودة عليه. ذلك أنه يتـلـقـى أوامره من وزير الدفاع في زمن الحرب ومن وزير الخارجية في زمن السـلم. وتـُخـفـي هذه العلاقات المتداخلة عمليا المسؤولية الحقيقية للرئيس الأمريكي فيما يخص العمليات السرية.
قام “مكتب التنسيق السياسي” بعدة عمليات سرية في الـعـديد من دول أوروبا الشرقية اعتبارا من عام 1949. وكانت البداية في ألبانيا حيث كان يتم تدريب عناصر شبه عسكرية في جزيرة مالطة قبل إرسالهم إلى بلدهم الأصلي بواسطة السفن ، أو عبر قيامهم بالقفز بمظلات من الطائرات. ثم توالت العمليات في أوكرانيا وبولندة وغيرهما.
في مطلع الخمسينات تزايدت ميزانية وكالـة المـخـابـرات الـمـركـزيـة الأمـريكيـة بالترافق مع ارتفاع ميزانية الجيش. كانت الولايات المتحدة قد بدأت إعادة تسليح نفسها. سادت لدى أغلبية الأمريكيين آنذاك فكرة أن حربا كبيرة سوف تندلع بعد فـترة قريبة. كذلك تسارع إيقاع العمليات السرية، ودعت رئاسة مجلس الأمن القومي إلى “زيادة عـدد عـناصر الجهاز السرّي” ، وزيادة عدد العمليات السرية من أجل المساهمة في دحر النفوذ السوفـييتي.
قـفـزة نوعـية
وهكذا تضاعف عدد العاملين في “مكتب التنسيق السياسي” ثلاث مرّات. وفي عام 1952 بـلـغ عـدد العـاملين في المكتـب 2800 شخص بالإضافة إلى أكثر من 3000 متعاقـد للعمل معه في الخارج. وما بين عام 1949 و1952 ازداد عدد “المحطات” العاملة معه في الخارج من 7 إلى 48 محطة، وازدادت ميزانيته في الفترة نفسها من 7,4 مليون دولار إلى 84 مليون دولار.
ووصل الإنفاق على العمليات السرية في عام 1953 حـوالي 400 مليون دولار، أي ما يعادل ثلاثة أرباع ميزانية الوكالة آنذاك؛ الأمر الذي دعا مديرها إلى القول: “لقد وصلنا عمليا إلى اللحظة التي كان من الضروري فيها القرار عمّا إذا كانت الوكالـة سوف تبقى وكالة استخباراتية أو أنها سوف تصبح وزارة الحرب الباردة”.
كمـا عـرف “مكتب الاستخبارات العلمية” التابع للوكالة ازدهارا كبيرا أيضا. وجرى تقسيمه إلى عـدة اختصاصات تشمل المشارب العلمية المختلفة من فيزياء وكيمياء الخ…
وإذا كان العلماء الأمريكيون قد ترددوا في البداية بالتعاون مع الوكـالـة ،فإن العديدين منهم قدّموا خدمات لها فيما بعد، لاسيما في ميادين الحرب الكيميائية والبيولوجـية والإلكترونية.
وفي اللحظة التي كان ترومان يستـعـد فيها لتسليم الإدارة إلى رئيس آخر، كان الكونغرس والصحافة والرأي العام في أمريكا ينظرون إلى الـوكالـة كأداة مهمة بالنسبة للأمن القومي الأمريكي ولحماية المصالح الأمـريكـيـة في العالم.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» أشهر”لا ” في التاريخ الأمـريـكـي!! / الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» تـأمـلات فـي التأريخ واختلاق التاريخ / الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» “ما أنا بقارئ…!!”/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أمة من الخراف بقلم الدكتور عـبـد القـادر حسـين ياسين
» الـكـتـاب فـي عـصـر الإنـتـرنـت/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» تـأمـلات فـي التأريخ واختلاق التاريخ / الـدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» “ما أنا بقارئ…!!”/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أمة من الخراف بقلم الدكتور عـبـد القـادر حسـين ياسين
» الـكـتـاب فـي عـصـر الإنـتـرنـت/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال