دَعـارة فـكـريـة بـإمـتـيـاز...!! الدكـتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
"فـَـظـيعٌ جـَهـلُ ما يـَجـري
وأفـظـعُ منه أن تـَـدري . . ."
بادئ ذي بـدء ، أود أن أقـدم خالص اعتـذاري إلى روح الشاعر اليمني الكبير عـبد الله البردوني للتصرف في شعـره ، وأن أقـدم له جزيل الشكر لأنه اخـتصر آلاف الأسئلة ، التي تدور في ذهن كل عربي ، في بيت واحـد من عـيون الشعـر ...
ومن نكد الدنيا على الأمة العـربية أنها أبـتـلـيـت بزعـماء يـصدق فـيهم قول الأحـنـف بن قـيس :
"ما قـال لا قـط إلا في تـشـهـده                                              
لولا الـتـشــهـد لـكانت لاءه نعـم...!"
إن "العـيب" ، في رأيي المتواضع ، ليس في وضع النقـاط على الحـروف ؛ وإنما العـيب كل العـيب أن نسكت ونحن نسمع وزيراً سـعـوديـاً يـشـتـم الشعـب الفلسطيني ، ويهـين هذا الشعب المناضل ويحتـقـره .
لست من المدافعين عن "حركة المقاومة الفلسطينية" (حماس) ، فالحركة تملك المئات من الكوادر والكفاآت الفلسطينية للدفاع عن مواقـفها.
أجرت "هـيئة الاذاعـة البريـطانية" BBC   مـقـابلـة في الأسـبوع المـاضي مـع عـادل الجـبـيـر ، وزير الخارجية السـعـودي ، كرَّرَ فـيـهـا مسلسل الأكاذيب التي تـعـودنا أن يــُتـحـفـنـا به بين الـفـينـة والأخـرى . وأعـادت صـحـيـفـة "الشـرق الأوسـط" (التي تـصـر على أنـهـا "صحيفة الـعـرب الـدوليـة") نشـر الـمـقـابلة في صفـحـتـهـا الأولى. ولا أغـالي إذا قـلـت أن الجـبـيـر تفـوق على وزير الـدعـايـة النـازية الـدكتـور جـوزيف غـوبـلـز  Joseph Goebells في هذا المجال!
لـم يـتـردد الجـبيـر ، بكل وقاحة ، بإعتبار حركة المقاومة الاسلامية "حـركـة إرهـابيـة" [كــذا....!!]، وأن إيـران هي "الـعـدو الـوحـيـد للأمـة الإسـلاميـة".
لم أفـاجـأ بموقـف السعودية تجاه الشعـب الفلسطيني . لـقـد نزع هـؤلاء حتى ورقة التوت...
ولا يحتاج القارئ الى ذكاء خارق أو عبقـرية فـذة،  ليدرك أن معظم المقالات التي تـُسوِّق للاستسلام وتثبط العزائم يكتبها صحفـيون في "جريدة العرب الدولية".
إن من يتابع ما ينشر في هذه الصحيفة يظن ، للوهلة الأولى ، أن ما تكتبه من مقالات مترجـم عن ما تـنـشره "معاريف" ، "هآرتس" ، "يديعـوت أحرونوت" أو "جيروزالم بوست" الاسرائيلية. ومن يقرأ هذه الصحيفة  اليوم يصاب بالغـثـيـان والتـقـيـؤ ...فالموقـف السعـودي لم يقـترب حتى من موقـف البرازيل ، أو حتى الفاتيكان التي نددت بإسرائيل وجـرائمها ..
فـقـد كتب عـبـد الرحمن الراشـد مـقـالا في "الشرق الأوسط" شتم فيه حركة المقاومة الاسلامية وحزب الله . وفي مقالات سابقة وجـَّه الكاتب إصبع  الاتهام إلى حركة حماس بأنها "السبب في معاناة الفلسطينيين" ، مقابل "تحـديات دونـكـيـشـوتـيـة" يقـدم عليها زعـمـاء الحركة ... وزعم أن الحركة "ليست سيدة نفـسها" ، وأنها "رهـن إشارة إيران" .
وقـبـل يـومين نشـرت الصحيفة مـقـالا للكـويتي عـبـد الله الــهـدلـق زعـم فـيـه أن إسرائيل "أكثر الـدول الـمـحـبـة للـسـلام"، وأنـه "لـم يـكـن هـنـاك وجـود لـدولـة إسـمـهـا فـلـسـطيـن" [كــذا....!!]
وقـد أعـلـن بـنـيـامين نـتـنـيـاهـو ، رئيس وزراء العـدو الصهيوني ،غـيـر مـرَّة ،، بأن بعض الزعـماء العرب "يـعـتـبـرون إسرائيل حـلـيـفـاً في الحـرب ضـد إيـران الـعـدو المشـتـرك"..
وحين يرى المشاهد العربي الدم الفـلسطيني يلطخ بالعار شاشات الفضائيات السعودية ، ينسى كل ما حفظه من أناشيد وأغان حماسية تربى عليها، وشكلت وجدانه فملأته حباً وانتماءً لكل الأرض العربية!..‏
لقد دفع العرب الفـلسطيني الى الكفر بكل القيم الأخلاقية والإنسانية. فلم يبق لديه إلا شعور واحد يتسلط على كل مشاعره وهوالشعور بالظلم...
ها هـو الفـلسطيني، ظهـره عار، لا، بل ظهره تنغـرس في الخناجر، وهو يتحامل عـلى كبريائه، ولا يخذل أرضه ، والمجد الذي ينتظره.‏
إن بنيامين نـتـنياهـو ، ومن قـبله اسحق رابين وأرئيل شارون ومناحيم بـيـغـن، يجهلون روح الـفـلسطـيـني، وتاريخ عـماده، ورحلة مضاء عـزيمته.. كلهم سقطوا في كمين نصبوه لأنفسهم بجهلهم، ورغـبتهم في الانـتصار على الفلسطيني.‏ هذه بلاد شعـبها يفيض دماً‏ ، وهذا دم آن أن يوقظ أمة من الخراف تنام بين المحيط والخليج‏ ...
من أين لمن في نفسه مرض أن يفهم أحلام شعب محارب ؟!
من أين لمـثـقـفـي الصالونات، ومحـلـلي الفـضائيات ، ولأولئك "المـثـقـفـيـن" الذين يؤجرون أقلامهم لمن يدفع أكثر ،  أن يفهم أن الفـلسطيني همّه أن يوقظ أمة، بشحـذ روحها، وإعادة الروح لها، وتطهير عقلها من الخوف، وروحها من العجز والوهـن؟‏
إنه شعـبنا الفلسطيني، "جمل المحامل"، العـين التي تلاطم المخرز، والكفّ التي تلطم السيف‏، إنه شعبنا الصبور، طويل النفس، واثق الخطى.. مديد النظر‏، وهو لا يريد من "الأشـقـاء العـرب" معلقات مديح ، ولكنه فقط يود لو تكف خناجرهم عن طعـنه في الظهر..‏
في الأسطورة الكنعانية القـديمة ، يحترق طائر العـنقاء ويستحيل رماداً، ومن رماده ينبعث ‏من جديد... وفي أرض كنعان، اليوم، نسـل لشعـب يتجـدّد في النار، ولا يرضى بأقـل من حريّته‏.
إن في عـروقـنا دماً عـربياً كثيراً، أفـلا تـبـصرون؟!‏