بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
"عــيـدٌ بأيـَّـة حـالٍ عـُـدتَ يا عـيــدُ...؟!" الـدكتور عـبـدالقـادر حسـين ياسين *
صفحة 1 من اصل 1
"عــيـدٌ بأيـَّـة حـالٍ عـُـدتَ يا عـيــدُ...؟!" الـدكتور عـبـدالقـادر حسـين ياسين *
"عــيـدٌ بأيـَّـة حـالٍ عـُـدتَ يا عـيــدُ...؟!"
الـدكتور عـبـدالقـادر حسـين ياسين *
"كل عـام وأنت بخير" عبـارة تـهـنـئـة يتبادلها الناس في مثل هـذا اليوم (عـيـد الـفـطـر المبارك) في كل بلاد المسلمين ، من طـنجـة الى جـاكارتـا ... في كل بلاد المسلمين الا في فلسطين ...
إنَّ العـيد هـذه المرة مخـتـلـف تماما.
إنه أقـرب الى مأتم كبير.
عـنـدما يستـيـقـظ أطـفـال غـزة صباح العـيد لن يجدوا بهجة الملابس الجـديدة و"المعـمول" والعـيدية، ومتعة الـتـنـزه عـلى الشاطئ .
لن يجـدوا الا الأشلاء والحـطام وأصوات الانفجارات المرعـبة وشـبح الموت الأسود يلاحق أرواحهم الغـضة.
في بلادنا لا يقول الناس : "كل عـام وأنت بخير" ، أو "كل سنة وأنت طيب" ، أو "عســاكم من عــُوَّاده ، بل : "كل سنة وأنت سـالم"...
"كل سـنـة وأنت سـالم"....
وكأن الكلمـة تشـي بواقـع الحـال الذي يـُغـني عن السؤال :
فالـفـلـسطـيني ان سـلم من رصاص مستوطن صهيوني فـهو سـالم ...
وان تمكن من الهرب من بيـتـه قبل أن تـهـدمـه الجرافـات الاسرائيليـة فـهـو سـالم ...
وان أخـطـأته مروحيـات "الأباشي" فـهـو سـالم ...
ومن بقي "سـالمـا" من الفلسطينيين في الوطن المحتـل سيتوضـأ بمـاء سَرَقـَت اسرائيل أكثر من نصـفـه ...
وعـنـدما يذهـب الى المـسـجد الأقـصى لـصـلاة العـيـد (هـذا ، بالطبع ، اذا كان محظوظـا، واسـتـجاب الله لـدعـائـه ، وسـَمـَحَ له الجنود الاسرائيليون بالوصول الى المسـجد!) سـيُردد مع حـادي المـأسـاة العـربية ، أبوالطيب المتنبي ، وهـو في طريقـه الى الشـام ، بـعـد أن خـذلـه كافـور الأخـشيدي :
عـيــدٌ بأيّـةِ حالٍ عُـدتَ يا عــيـدُ
بـمَا مَـضَى أمْ بأمْـرٍ فـيـكَ تـجـْديـدُ
أمّـا الأحِـبّـةُ فـالـبـَـيـْداءُ دونَـهـُمُ
فَلـَيـتَ دونـَكَ بِـيـداً دونَـهَـا بـِــيـدُ
وسـَيـُرَدّد "آمين" بـعـد إمـام المسـجد ،
حين يـدعـو الله أن "يـَمـحَـق " المُحـتـلين ،
و"يـُزلزل" الأرض تحت أقـدامهـم ،
و "يـُزيل" الـغـمـَّـة ...
و"يجـمع كلـمـة الأمـَّة" ،
و"يـُحـرر" الأقـصى من رجـس اليـهـود...
و... و ... و ...
لم يـعـد ثـمـة داع لزيارة البيوت لـ "التـهـنـئـة" بالعـيـد...
فالكل يلتقي "هــُنـاك"...
و"هـُـنـاك" لا بـُدَّ أن يكون لكل فلسطيني أب ، أو أم ، أو إبن ، أو إبنـة ، أو خـال ،أو خـالـة ، أو عـمّ ، أو عـمـّـة ، ، أو جـدّ ، أو حـفـيـد....
فالـرصاص الاسرائيلي لم يـَعـُد يـُفرِّق بين مـقـاوم وقـائم للـصـلاة...
أو بين حـقـيبـة تلميـذة في الصف الثالث الابـتـدائي وحـقـيـبـة مـتـفـجـرات...
"هــُنـاك" في الـمقابر الفلسطينية عـيـد من نوع آخر...
اعـتـاد عليه الفلسطينيون في الوطن المـحـتل :
توزيع الكـعـك بالتـمـر على أرواح الشـهـداء ،
والقـهـوة السـادة بطعـم مرارة فـقـدانهـم ،
ورائحـة "الهـيـل" تـُذكر برائـحـة دمـهـم ،
حيث أريق على مـقـعـد مـدرسـة ،
أو رصيف شـارع ،
أو تحت سقف كان يـعـجّ يومـا بالـحيـاة،
وصـراخ الأطـفـال الشـهـداء ...
في مثل هـذا اليـوم لن يحتاج الفلسـطينيون الى "خروف العـيـد" كوجـبـة دسـمة ،
ذلك أنهم برسم الـذبح في عـالم عـربي أدار لـهـُم ظهـره منـذ 66 عـامـاً .
زَمـان...
زَمــان...
كانت شوارع المُـدن والقـُرى الفلسطينية ، و"زواريب" المخيمـات ، تمتلئ بحـظـائر الخـراف في يوم العـيـد... حظائر مـُتحركـة لأيـام مـعـدودات.
وفي صبيحـة يوم العـيـد تفوح رائـحـة اللـحـم الذي "ثـلثـاه للفقـراء ، وثـلـثـه من أجـل أهـل البيت" . قسـمة عـادلة... يأكل الجميع هـنيئـا مريئـا...
تتزاحم قطع اللحم في المرق ، وفـوق الأرز الأبيض أو الأصـفـر حبات الصنوبر تزيد الطعـام لـذة... وان لم يتوفر فـحـبـَّات الفـستـُق الأبيض المقـشـور تـفـي بالغـَرض...
فـفي حضرة اللحم البـلـدي (لم نكن نعـرف آنـذاك ، اللحم "البلغـاري المـُجـمـَّد" ، ولا "لحوم الأضـاحي" التي "يـَـتــَصـَـدَّق" بها "المُحـسـنون" عـلى البؤسـاء من أمـثالــنـا!!) يـُصبح مـا عـداه هـامشـيا...
ثـلاثـة أيـام... ويـنـتـهي العـيـد...
وتـخـتفي الخـراف، وقـطـع اللحـم المجـانيـة ،
ويـعـود الفـقـراء الى فـقـرهم ،
والبـؤسـاء الى بـؤسـهـم ،
ويعـود الـثـلـث الى غــنـاهم .
أفـواه تـُواصل رحـلـة البحث عن اللحم في ثلاجات يابانية ضخمـة...
هـذا فـخـذ خاروف كان يركض يومـا في سهوب أوستراليـا أو مراعي الأرجنتين...
وهـذا صـدرٌ كان يَستـنـشق ذات يوم الهـواء العـليل في مروج بلغـاريـا...
وتلك قطعـة "سـتـيـك" من بـقـرة هــنـدية كانت تروي عـطـشــها من مياه "الغـانج" المُقـدَّس...
هـل يتـجـمـد الـطـعـم ويختفي الـمـذاق في الرحلـة داخل الشـاحنـة ـ الثـلاجـة من الوطن الأم الى بطون الجائعين؟
وهـل تظل البروتينات محافـظـة على خصـائصـهـا بعـد كل هـذا الصـقـيـع؟
هـذه أسئلـة مُحـرَّمـة على الـثـــُلـثـيـن الذين لا يـجـدون قـوت يومهـم....
كنتُ لا أعرف طعـمـاً للحم الا في الأعـيـاد... وكان من قبيل "التـَرَف الفكري" أن أسـأل عن سـنة صـُنع اللحم المـعـلـَّب أو انتهـاء صـلاحيـتـه ...
في صبيحـة يوم العـيـد كانت والـدتي تبعـث بي الى "أبي خليل" ، صاحب ملحـمـة "السـَّعـادة" (!!) في المخيم ، لكي أشتري أوقـية لحـمـة ...
وكانت تـُصر أن أرجـوه وأتـوسـل اليـه بأن "يـتـوصـَّى" ... وأن يـُعــطـيـنـي بعـض "الســَقـَط" (بقايا اللحم الذي كان أبو خليل يـُلقي بـه الى الكلاب الضـالـَّـة في المخيم)... وأن أبلغـه تحياتهـا...
وكانت النسـاء (مِمَّن كـُنَّ ينتظـرن دورهن لكي يـَجـودُ عليهن أبو خليل بـبـعـض "السَـقـط") يـُذكرن أبـا خليل بأن الله "سـيـبـني لـه قـصـراً في الجـنـة" لانـه "يـَعـطـف" على الأيتـام والأرامـل...
كانت تلك أسئلـة "جـوهـريـة" ...
وغـنيّ عـن البيان أنهـا بـدائيـة إذا ما قـيـست بتلك الأسئلـة التي يطرحهـا بعـض المـُترفين عـن كـمـية "الكـوليسترول" في الغـرام الـواحـد... وعن الدقـائق اللازمـة للطبخ في "الميكروويف" أو على الفـحـم في حفلات "الباربـكـيـو"...
زمـان ...
زمـان...
كان الفلسطينيون فئات اجتماعـيـة وطـبقـيـة...
أغـنياء وفـقراء...
فـلاحون وأهـل مُـدن...
مُوظفون وعـُمـَّال...
أمـا اليوم فقـد اختفت كل الـحـدود الفـاصلـة بينهم ؛
فـهـم إما مشـاريع شــُهـداء أو شـهـود على مـذابح ترتـكب بـدم بـارد... وهم إمـا ضحايا على مـوائـد الـطـعـام أو أهـداف للـمـدافع الاسرائيلية...
منذ 47 عـامـا والعـيد ممـنوع من الدخول إلى فـلسطين ، ذلك ان المآسي اليومية التي يعـيشها شعـبنا الفـلسطيني تحت الاحتلال لم تـتـرك معـبراً للأعـياد، ولو نحـو الأطفال...
يجـد الفـلسطينيون أنـفـسـهم مـُحاصرين بآلامـهم ، بهمومهم ،
مـُحاصرين حـتى في لـقـمة العيش ...
فالموظفون بدون رواتب، والحياة مشلولة، وحكومة لا تعـرف ماذا تـفـعــل،
و "رئـيـسٌ" يـتـخـًــبـَّط...
كل سـنـة وأنت سـالم...
فان سـلم الفلسطيني هـذه السـنـة ، فـانـه لا يضمن أن يَسـلم من بـطـش العـدو الصهيوني في السـنة المقبـلـة... عـدو أثبت ـ لكل من يعـنيـه الأمر ـ أن السَّـلام لا يعــنيـه على الاطـلاق... وأن الـعـدل ن بالنسبة لـه ، لا يـعـني سوى موت الآخر...
وكل سـنة وأنتم سـالمون...!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السـويد .
الـدكتور عـبـدالقـادر حسـين ياسين *
"كل عـام وأنت بخير" عبـارة تـهـنـئـة يتبادلها الناس في مثل هـذا اليوم (عـيـد الـفـطـر المبارك) في كل بلاد المسلمين ، من طـنجـة الى جـاكارتـا ... في كل بلاد المسلمين الا في فلسطين ...
إنَّ العـيد هـذه المرة مخـتـلـف تماما.
إنه أقـرب الى مأتم كبير.
عـنـدما يستـيـقـظ أطـفـال غـزة صباح العـيد لن يجدوا بهجة الملابس الجـديدة و"المعـمول" والعـيدية، ومتعة الـتـنـزه عـلى الشاطئ .
لن يجـدوا الا الأشلاء والحـطام وأصوات الانفجارات المرعـبة وشـبح الموت الأسود يلاحق أرواحهم الغـضة.
في بلادنا لا يقول الناس : "كل عـام وأنت بخير" ، أو "كل سنة وأنت طيب" ، أو "عســاكم من عــُوَّاده ، بل : "كل سنة وأنت سـالم"...
"كل سـنـة وأنت سـالم"....
وكأن الكلمـة تشـي بواقـع الحـال الذي يـُغـني عن السؤال :
فالـفـلـسطـيني ان سـلم من رصاص مستوطن صهيوني فـهو سـالم ...
وان تمكن من الهرب من بيـتـه قبل أن تـهـدمـه الجرافـات الاسرائيليـة فـهـو سـالم ...
وان أخـطـأته مروحيـات "الأباشي" فـهـو سـالم ...
ومن بقي "سـالمـا" من الفلسطينيين في الوطن المحتـل سيتوضـأ بمـاء سَرَقـَت اسرائيل أكثر من نصـفـه ...
وعـنـدما يذهـب الى المـسـجد الأقـصى لـصـلاة العـيـد (هـذا ، بالطبع ، اذا كان محظوظـا، واسـتـجاب الله لـدعـائـه ، وسـَمـَحَ له الجنود الاسرائيليون بالوصول الى المسـجد!) سـيُردد مع حـادي المـأسـاة العـربية ، أبوالطيب المتنبي ، وهـو في طريقـه الى الشـام ، بـعـد أن خـذلـه كافـور الأخـشيدي :
عـيــدٌ بأيّـةِ حالٍ عُـدتَ يا عــيـدُ
بـمَا مَـضَى أمْ بأمْـرٍ فـيـكَ تـجـْديـدُ
أمّـا الأحِـبّـةُ فـالـبـَـيـْداءُ دونَـهـُمُ
فَلـَيـتَ دونـَكَ بِـيـداً دونَـهَـا بـِــيـدُ
وسـَيـُرَدّد "آمين" بـعـد إمـام المسـجد ،
حين يـدعـو الله أن "يـَمـحَـق " المُحـتـلين ،
و"يـُزلزل" الأرض تحت أقـدامهـم ،
و "يـُزيل" الـغـمـَّـة ...
و"يجـمع كلـمـة الأمـَّة" ،
و"يـُحـرر" الأقـصى من رجـس اليـهـود...
و... و ... و ...
لم يـعـد ثـمـة داع لزيارة البيوت لـ "التـهـنـئـة" بالعـيـد...
فالكل يلتقي "هــُنـاك"...
و"هـُـنـاك" لا بـُدَّ أن يكون لكل فلسطيني أب ، أو أم ، أو إبن ، أو إبنـة ، أو خـال ،أو خـالـة ، أو عـمّ ، أو عـمـّـة ، ، أو جـدّ ، أو حـفـيـد....
فالـرصاص الاسرائيلي لم يـَعـُد يـُفرِّق بين مـقـاوم وقـائم للـصـلاة...
أو بين حـقـيبـة تلميـذة في الصف الثالث الابـتـدائي وحـقـيـبـة مـتـفـجـرات...
"هــُنـاك" في الـمقابر الفلسطينية عـيـد من نوع آخر...
اعـتـاد عليه الفلسطينيون في الوطن المـحـتل :
توزيع الكـعـك بالتـمـر على أرواح الشـهـداء ،
والقـهـوة السـادة بطعـم مرارة فـقـدانهـم ،
ورائحـة "الهـيـل" تـُذكر برائـحـة دمـهـم ،
حيث أريق على مـقـعـد مـدرسـة ،
أو رصيف شـارع ،
أو تحت سقف كان يـعـجّ يومـا بالـحيـاة،
وصـراخ الأطـفـال الشـهـداء ...
في مثل هـذا اليـوم لن يحتاج الفلسـطينيون الى "خروف العـيـد" كوجـبـة دسـمة ،
ذلك أنهم برسم الـذبح في عـالم عـربي أدار لـهـُم ظهـره منـذ 66 عـامـاً .
زَمـان...
زَمــان...
كانت شوارع المُـدن والقـُرى الفلسطينية ، و"زواريب" المخيمـات ، تمتلئ بحـظـائر الخـراف في يوم العـيـد... حظائر مـُتحركـة لأيـام مـعـدودات.
وفي صبيحـة يوم العـيـد تفوح رائـحـة اللـحـم الذي "ثـلثـاه للفقـراء ، وثـلـثـه من أجـل أهـل البيت" . قسـمة عـادلة... يأكل الجميع هـنيئـا مريئـا...
تتزاحم قطع اللحم في المرق ، وفـوق الأرز الأبيض أو الأصـفـر حبات الصنوبر تزيد الطعـام لـذة... وان لم يتوفر فـحـبـَّات الفـستـُق الأبيض المقـشـور تـفـي بالغـَرض...
فـفي حضرة اللحم البـلـدي (لم نكن نعـرف آنـذاك ، اللحم "البلغـاري المـُجـمـَّد" ، ولا "لحوم الأضـاحي" التي "يـَـتــَصـَـدَّق" بها "المُحـسـنون" عـلى البؤسـاء من أمـثالــنـا!!) يـُصبح مـا عـداه هـامشـيا...
ثـلاثـة أيـام... ويـنـتـهي العـيـد...
وتـخـتفي الخـراف، وقـطـع اللحـم المجـانيـة ،
ويـعـود الفـقـراء الى فـقـرهم ،
والبـؤسـاء الى بـؤسـهـم ،
ويعـود الـثـلـث الى غــنـاهم .
أفـواه تـُواصل رحـلـة البحث عن اللحم في ثلاجات يابانية ضخمـة...
هـذا فـخـذ خاروف كان يركض يومـا في سهوب أوستراليـا أو مراعي الأرجنتين...
وهـذا صـدرٌ كان يَستـنـشق ذات يوم الهـواء العـليل في مروج بلغـاريـا...
وتلك قطعـة "سـتـيـك" من بـقـرة هــنـدية كانت تروي عـطـشــها من مياه "الغـانج" المُقـدَّس...
هـل يتـجـمـد الـطـعـم ويختفي الـمـذاق في الرحلـة داخل الشـاحنـة ـ الثـلاجـة من الوطن الأم الى بطون الجائعين؟
وهـل تظل البروتينات محافـظـة على خصـائصـهـا بعـد كل هـذا الصـقـيـع؟
هـذه أسئلـة مُحـرَّمـة على الـثـــُلـثـيـن الذين لا يـجـدون قـوت يومهـم....
كنتُ لا أعرف طعـمـاً للحم الا في الأعـيـاد... وكان من قبيل "التـَرَف الفكري" أن أسـأل عن سـنة صـُنع اللحم المـعـلـَّب أو انتهـاء صـلاحيـتـه ...
في صبيحـة يوم العـيـد كانت والـدتي تبعـث بي الى "أبي خليل" ، صاحب ملحـمـة "السـَّعـادة" (!!) في المخيم ، لكي أشتري أوقـية لحـمـة ...
وكانت تـُصر أن أرجـوه وأتـوسـل اليـه بأن "يـتـوصـَّى" ... وأن يـُعــطـيـنـي بعـض "الســَقـَط" (بقايا اللحم الذي كان أبو خليل يـُلقي بـه الى الكلاب الضـالـَّـة في المخيم)... وأن أبلغـه تحياتهـا...
وكانت النسـاء (مِمَّن كـُنَّ ينتظـرن دورهن لكي يـَجـودُ عليهن أبو خليل بـبـعـض "السَـقـط") يـُذكرن أبـا خليل بأن الله "سـيـبـني لـه قـصـراً في الجـنـة" لانـه "يـَعـطـف" على الأيتـام والأرامـل...
كانت تلك أسئلـة "جـوهـريـة" ...
وغـنيّ عـن البيان أنهـا بـدائيـة إذا ما قـيـست بتلك الأسئلـة التي يطرحهـا بعـض المـُترفين عـن كـمـية "الكـوليسترول" في الغـرام الـواحـد... وعن الدقـائق اللازمـة للطبخ في "الميكروويف" أو على الفـحـم في حفلات "الباربـكـيـو"...
زمـان ...
زمـان...
كان الفلسطينيون فئات اجتماعـيـة وطـبقـيـة...
أغـنياء وفـقراء...
فـلاحون وأهـل مُـدن...
مُوظفون وعـُمـَّال...
أمـا اليوم فقـد اختفت كل الـحـدود الفـاصلـة بينهم ؛
فـهـم إما مشـاريع شــُهـداء أو شـهـود على مـذابح ترتـكب بـدم بـارد... وهم إمـا ضحايا على مـوائـد الـطـعـام أو أهـداف للـمـدافع الاسرائيلية...
منذ 47 عـامـا والعـيد ممـنوع من الدخول إلى فـلسطين ، ذلك ان المآسي اليومية التي يعـيشها شعـبنا الفـلسطيني تحت الاحتلال لم تـتـرك معـبراً للأعـياد، ولو نحـو الأطفال...
يجـد الفـلسطينيون أنـفـسـهم مـُحاصرين بآلامـهم ، بهمومهم ،
مـُحاصرين حـتى في لـقـمة العيش ...
فالموظفون بدون رواتب، والحياة مشلولة، وحكومة لا تعـرف ماذا تـفـعــل،
و "رئـيـسٌ" يـتـخـًــبـَّط...
كل سـنـة وأنت سـالم...
فان سـلم الفلسطيني هـذه السـنـة ، فـانـه لا يضمن أن يَسـلم من بـطـش العـدو الصهيوني في السـنة المقبـلـة... عـدو أثبت ـ لكل من يعـنيـه الأمر ـ أن السَّـلام لا يعــنيـه على الاطـلاق... وأن الـعـدل ن بالنسبة لـه ، لا يـعـني سوى موت الآخر...
وكل سـنة وأنتم سـالمون...!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السـويد .
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» "يـَرزُق مـَن يـَشــاء بغـيـر حـِسـاب..!!" الـدكتور عـبدالقـادر حسـين ياسـين
» تـَحـالــُف الـسـَّـيـف والـقـَلـَم.. الـدكتور/ عبـدالقـادر حسين ياسين
» دَعـارة فـكـريـة بـإمـتـيـاز...!! الدكـتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
» الـعـَرَب بـيـن فـِقـه المعاملات وفـِقـه العـبادات الـدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» حتى لا نـنـسـى : كـفـر قـاسـم : “قرية تـَحـلم بالقـَمح وأزهـار البـنـفـسج” / الدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
» تـَحـالــُف الـسـَّـيـف والـقـَلـَم.. الـدكتور/ عبـدالقـادر حسين ياسين
» دَعـارة فـكـريـة بـإمـتـيـاز...!! الدكـتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
» الـعـَرَب بـيـن فـِقـه المعاملات وفـِقـه العـبادات الـدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» حتى لا نـنـسـى : كـفـر قـاسـم : “قرية تـَحـلم بالقـَمح وأزهـار البـنـفـسج” / الدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال