بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
"El original es infiel a la traduccion" ،
الترجمة خيانة" كما يقول المثل الإيطالي المعروف،
إذ لا يمكن أن تنقل نصاً من لغة إلى أخرى ،
دون أن تخون جماليات لغته الأم التي تشكل فيما بينها بيئة روحية وفنية خاصة...
فإذا نقل النـَص إلى "بيئة" أخرى فإنه بلا شك سيكون غربياً ،
غربة المهاجر في بلد أجنبي، وسيمر عليه وقت حتى ينسج ،
من عناصر بيئته الجديدة علاقات جميلة أخرى.
فاللغة ليست أصواتاً ولا نحواً ولا صرفاً فحسب،
وإنما هي ذاكرة وعلاقات يمتزج فيها الزمان والمكان امتزاجاً كاملاً…
اقرأ قصيدة من عـيون الشعر الجاهلي(لعمرو بن كلثوم) ،
وأخرى حديثة (لأدونيس) فستجد أنك تعيش في بيئتين مختلفتين اختلافاً كاملاً،
وهما تنتميان إلى لغة واحدة ، فما بالك إذا نقلت قصيدة من لغة إلى أخرى؟!
فـالترجمة ، إذن ، لا تعني نقلاً لغوياً فحسب ،
بل هي نقل لبيئة لغوية إلى بيئة أخرى ،
يحاول المترجم بقدر ما يكون ماهراً أن يماثل بينهما.
"الترجمة قـفـا السجادة"، كما يقول الشاعـر والروائي ،
الـداغـستاني الراحل رسول حمزاتوف،
فمهما كان المترجم بارعاً ، فلن يستطيع نقـل "الألوان الزاهية" ،
للغة الأم التي ترتديها الفكرة أو الحالة…
في مقدمة ترجمته لمذكرات نيكوس كازنتزاكي "تقـرير إلى غـريكو"،
يورد الشاعـر السوري الراحل ممدوح عدوان ،
أبياتاً شعرية لطرفة بن العـبد في وصف الناقة،
مع ترجمتها إلى اللغـة الإنجليزية التي عاد ،
فترجمها ثانية إلى اللغـة العربية،
فإذا بترجمة الترجمة مسخ أيما مسخ،
ليس فيها من الأصل إلا ظلال باهـتة.
فالترجمة لا تستطيع أن تكون أمينة ،
لأن تركيب الجملة في لغة غير تركيبها في لغة ثانية،
ووقع المفردة هنا غير وقعها هناك...
أما أن ينقـل المعنى فقط فـتـلـك عملية تأليف ثانية ،
تفقـد النص نصفه الآخر وهو الفـن الخاص.
يمكن لأي قارئ أن يقارن بين ترجمتين أو أكثر ،
لعمل أدبي واحد كي يكتشف أن الترجمة تأليف جديد،
فشكسبير خليل مطران غير شكسبير جبرا إبراهيم جبرا ن
وماياكوفسكي حسب الشيخ جعفر غير ماياكوفسكي أيمن أبو شعر ،
(وهي ، في تقـديري أسوأ ترجمة).
أصعب أنواع الترجمة ترجمة الشعـر لارتباطه الأساسي باللغة،
وما فـيها من عـناصر فنية خاصة بها.
ومن المترجمين من ينقل الشعر المترجم شعراً،
وعند ذلك تـتضاعف الخيانة، لأن المترجم ينقل العمل من مناخ إلى أخر،
ومن سياق إلى آخر، و من ذاكرة إلى ذاكرة،
ناهيك عن ضرورات الوزن والقافية ن
التي تضطر المترجم إلى الزيادة والحذف...
ولذلك فـإنَّ من الصعوبة بمكان أن نقـتـنـع بـ "رباعـيات الخـَيـَّـام" ،
على إنها شعر فارسي ، على الرغم من تقارب الأوزان بل اللغة ،
في اللغتين العربية والفارسية، و إنما هي قصائد لمحمد الفـراتي ،
أو أحـمـد رامي وسواهما.
ولكن هناك معضلة حقيقـية، فأنت عندما تترجم شعراً موزوناً مقفى ،
ينبغي أن تبقي على شكله الخارجي ونكهته الفنية بالوزن والقافية،
وإلاَّ بدا الشعـر المترجم كأنه شعـر حرّ، وهو ليس كذلك…
فمن يستطيع أن ينجح في هذا الامتحان العسير؟!
إنَّ الترجمة لا تعني معرفة اللغة الأجنبية فقط،
بل لا تعني المعرفة المعجمية أبداً،
وإنما هي معرفة عميقة للغتين، اللغة الأم واللغة الأجنبية،
معرفة شاملة للتاريخ والجغرافيا والعلوم والفنون ،
والعادات والمعتقدات والفولكلور، لأن اللغة كما أسلفنا ذاكرة.
بعض المترجمين أشبه بالمترجمين المحلـَّفين،
الذي يُحررون الأوراق الرسمية...
إنهم مجرد معجمات فقيرة، فقدوا الإحساس بالمسؤولية الثقافية ...
فـبعضهم يجهل حتى لغـته الأم، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ،
كتاب المؤرخ البريطاني باتريك سيل ،
Abu Nidal : A Gun for Hire"أبو نضال : بنـدقيـة للايجـار" ،
فإن مترجمه يجهل ـ وهو فـلسطيني ـ - أسماء المدن والقرى ،
والمخيمـات الفلسطينية، والأحداث الكبرى التي يعرفها تلميذ في المرحلة الابتدائية، فـيسمى صيدا "صيدون"، ومخيم الوحدات "مخيم الوهـدات" ، ومخيم عين الحلـوة "مخيم أين الهـلـوة"... أمـا الثورة الفلسطينية الكبرى (1936ـ1939) ،
فـتصبح "التمرد الفلسطيني" [كــذا..!!] ،
وكل عـين عنده تصبح ـ بقـدرة قـادر ـ همزة كما تلفظ بالإنجليزية.
ومترجم منتفع آخر يترجم كتاباً تاريخياً ،
وهو جاهل كل الجهل بتاريخ أمتـه،
فيصبح (المقنع) على يديه "المكنى" و"الخبرة" "هيرا" ...
مثل هؤلاء أولى أن يحجر عليهم أو يكفوا عن التخريب.
مهما كانت الترجمة خيانة للأصل فلا بد منها،
فإن الإنسان لا يستطيع أن يـُلمَّ بلغات العالم كلها،
وبعض الشر أهون من بعض،
ولكن على أن تكون الترجمة عن الأصل لا بوساطة لغة ثانية ،
وإلا لن نحصل على "قفا السجادة" بل على غـبارها.
وبـعــد ؛
لا يمكن للقارئ النبيه إلا أن ينحني احتراماً ،
لبعض المترجمين الذين نقلوا أمهات الكتب العالمية،
ولا سيما أولئك الذين استطاعوا أن ينقـلوا لنا ،
نبض النص الأصلي ونكهته المحلية،
وهنا لا يمكن أن نغفل الروائي والشاعر والفـنـان والمترجم ،
الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا ،
الذي جعلنا نقرا وليم شكسبير وغيره بالعربية وكأننا نقرؤه بالانجليزية…
ولذلك مهما قـلنا فإن الترجمة تظل خيانة ولكن… جميلة!!.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» وداعــاً ... أبا الـفـهـد/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين *
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أيـلـول الـفـلـسـطـيـنـي // الدكتور عــبـد القادر حسين ياسين
» مـَـرَضْ أكـابـِـر…!!” الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أيـلـول الـفـلـسـطـيـنـي // الدكتور عــبـد القادر حسين ياسين
» مـَـرَضْ أكـابـِـر…!!” الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال